.سوريا بعد الأسد .. تحديات التحول وفرص إعادة البناء

ادارة النشر5 فبراير 2025آخر تحديث :
.سوريا بعد الأسد .. تحديات التحول وفرص إعادة البناء

بقلم المستشار الدكتور/ حسن بن ثابت

سوريا، التي كانت دومًا قلبًا نابضًا للحضارات في الشرق الأوسط، تمر اليوم بمرحلة حاسمة من تاريخها الحديث. مع نهاية عصر حكم الأسد، تفتح سوريا أبوابًا جديدة للفرص والتحديات، حيث سيكون عليها التعامل مع مسائل معقدة تتراوح بين إعادة بناء الدولة، تحقيق الاستقرار السياسي، وتحديد دورها في المنطقة والعالم.
إن مرحلة ما بعد الأسد تمثل بداية مرحلة جديدة قد تكون فرصة للانطلاق نحو مستقبل أفضل، إذا ما توفرت الإرادة السياسية والعمل المشترك.

إعادة هيكلة النظام السياسي

مع انتهاء الحقبة السياسية الحالية، تبرز ضرورة إعادة هيكلة النظام السياسي في سوريا بما يتناسب مع التغيرات الداخلية والخارجية. التحدي الأبرز هنا هو كيفية الانتقال من نظام حكم مركزي وشمولي إلى نموذج أكثر ديمقراطية وتعددية. لن يكون من السهل التخلص من آثار الحكم المستبد، ولكن عملية التغيير تتطلب خطوات ملموسة نحو بناء مؤسسات ديمقراطية تضمن المشاركة الفعالة لجميع مكونات الشعب السوري.
تحقيق هذا الهدف يعتمد على وضع دستور جديد يعكس التنوع الاجتماعي، والاعتراف بحقوق الأفراد والجماعات في المشاركة السياسية دون تمييز.

إعادة الإعمار وإنعاش الاقتصاد

الدمار الذي لحق بالبنية التحتية للبلاد على مدار السنوات الماضية يتطلب استثمارات ضخمة لإعادة البناء. كما أن الاقتصاد السوري بحاجة إلى استراتيجيات فعالة لتحفيز النمو وخلق فرص العمل في ظل الأزمات الاقتصادية الحالية.
من الضروري أن يشمل مشروع إعادة الإعمار تحديث القطاعات الاقتصادية الأساسية مثل الزراعة والصناعة، إلى جانب تطوير قطاع الخدمات وتعزيز قدرات سوريا في مجالات مثل السياحة والتكنولوجيا. كما يجب العمل على إصلاح المؤسسات المالية والمصرفية لتوفير بيئة استثمارية جاذبة، تكون محمية بالقوانين التي تضمن حقوق المستثمرين وتُسهم في تعافي الاقتصاد الوطني.

تحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية

إعادة بناء سوريا تتطلب أيضًا تحقيق مصالحة وطنية حقيقية بين جميع أطياف المجتمع السوري، سواء كانت طائفية أو عرقية. هذه المصالحة لا يمكن أن تتم إلا من خلال تبني آليات للعدالة الانتقالية التي تضمن محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، مع ضمان تجنب الانزلاق إلى انتقامات سياسية.
يجب أن يشمل هذا أيضًا برامج لإعادة تأهيل النازحين واللاجئين، وضمان حقوقهم في العودة إلى ديارهم بشكل آمن. كما أن إصلاح النظام الأمني والعسكري ضروري لتفادي الانحرافات السياسية والطائفية التي قد تهدد استقرار البلاد في المستقبل.

إعادة ضبط العلاقات الخارجية

سوريا بحاجة إلى إعادة تقييم علاقاتها الخارجية بما يخدم مصالحها الوطنية ويعزز استقرارها. من المهم أن تعمل سوريا على بناء علاقات متوازنة مع جيرانها والمجتمع الدولي، بعيدًا عن الاصطفافات الإقليمية التي عايشتها في السنوات الماضية.
علاوة على ذلك، فإن إعادة الانفتاح على العالم الخارجي تتطلب تحسين العلاقات مع القوى الكبرى في المجتمع الدولي، مع السعي لعودة سوريا إلى المؤسسات الدولية والمنظمات الإقليمية، بما في ذلك جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، في إطار من الشراكة والمصالح المشتركة.

سوريا بعد الأسد ستكون أمام فرصة كبيرة لإعادة بناء وطنها على أسس جديدة، لكنها ستواجه تحديات جمّة، سواء في إعادة بناء الدولة، أو معالجة الجروح الداخلية التي خلفتها الحرب.
ولكن الأمل في المستقبل يبقى قائمًا إذا ما توفرت الإرادة السياسية من جميع الأطراف الداخلية والدولية لتحقيق عملية انتقالية شفافة تضمن العيش المشترك لجميع السوريين، وتصنع مستقبلاً مستقرًا ومستدامًا.
ختامًا، سوريا … أرض الحضارات وموطن العزّة، جُرحت لكنها لم تنكسر، عانت لكنها لم تفقد هويتها. ستنهض من ركام الألم لتكتب فجرًا جديدًا بنبض أبنائها وإرادتهم الصلبة

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة