مصر والضغوط الخارجية: مقاربات متوازنة ورهانات استراتيجية

ادارة النشر12 فبراير 2025آخر تحديث :
مصر والضغوط الخارجية: مقاربات متوازنة ورهانات استراتيجية

إعداد: المستشار الدكتور حسن بن ثابت

في عالم يموج بالتحولات السياسية والاقتصادية، تظل مصر رقماً صعباً في معادلة التوازنات الإقليمية، حيث تمتلك من الإرث التاريخي، والقدرات الدبلوماسية، والموارد الاستراتيجية، ما يؤهلها للعب دور محوري في المنطقة. ومع تزايد الضغوط الخارجية، يظهر بوضوح مدى حكمة القيادة المصرية في إدارة التحديات، وفق رؤية تستند إلى الواقعية السياسية، والقدرة على المناورة، والحرص على المصالح الوطنية العليا.

أدوات مصر الدبلوماسية والاقتصادية: بين الممكن والمأمول

تدرك مصر، بحكم خبرتها العريقة في السياسة الدولية، أن القوة لا تكمن فقط في امتلاك الأوراق، وإنما في حسن توظيفها. وفي هذا السياق، تتمتع مصر بعدد من الأدوات التي تعزز استقلالية قرارها، مثل إعادة تقييم بعض الترتيبات الاقتصادية، كاتفاقية “الكويز”، بما يضمن تعظيم المكاسب الوطنية، مع الحفاظ على العلاقات الاقتصادية المتوازنة.

أما المعونة الأميركية، فرغم رمزيتها السياسية، فإن قيمتها الفعلية في الاقتصاد المصري محدودة. وهذا يفتح المجال أمام مصر لتنويع شراكاتها الدولية، وتعزيز الاعتماد على الذات، بما يكرّس استقلالية القرار الوطني.

وفي هذا الإطار، يمكن أن يكون إشهار سلاح المقاطعة الاقتصادية للمنتجات والسلع الأميركية والإسرائيلية إحدى الأدوات التي يتم توظيفها بذكاء، وفق حسابات دقيقة تأخذ بعين الاعتبار المردود الاقتصادي والسياسي لمثل هذه الخطوات.

نهج دبلوماسي متزن: تعزيز التحالفات وحماية المصالح

تعتمد مصر في سياستها الخارجية على نهج يرتكز على التوازن والبراغماتية، إذ تسعى إلى تعزيز تحالفاتها الإقليمية مع دول عربية وإسلامية مؤثرة، كالسعودية، وتركيا، وإيران، وباكستان، في إطار رؤية استراتيجية تضمن لمصر دوراً محورياً في صياغة مستقبل المنطقة. فالتنسيق مع هذه القوى يمكن أن يمنح القاهرة دعماً استراتيجياً في مواجهة أي ضغوط خارجية، دون أن يكون ذلك على حساب علاقاتها مع القوى الكبرى.

وفي هذا الإطار، تواصل مصر جهودها الدبلوماسية في الملف الفلسطيني، حيث تظل القاهرة الطرف الأكثر قبولاً وفاعلية في إدارة هذا الملف الحساس. ومن شأن إعادة هذا الملف إلى واجهة الاهتمام الدولي أن تعزز من مكانة مصر كضامن أساسي للاستقرار الإقليمي، خصوصاً في ظل المتغيرات الدولية التي باتت تفرض إعادة النظر في معادلات الصراع الإقليمي.

كما أن مراجعة بعض الترتيبات السياسية، بما فيها اتفاقية السلام، تظل خياراً استراتيجياً قابلاً للدراسة، وفق مقتضيات المصلحة الوطنية، وبما يحقق توازناً دقيقاً بين الالتزامات الدولية والضرورات السيادية. ومن شأن تجميد بعض البنود، أو إعادة صياغة آليات التعاون في إطار رؤية جديدة، أن يوفر للقاهرة أوراق قوة إضافية في إدارة علاقاتها الدولية.

تعزيز الجبهة الداخلية: رهان الاستقرار والصلابة الوطنية

في مواجهة أي ضغوط خارجية، تظل قوة الجبهة الداخلية عاملاً حاسماً في تعزيز الموقف التفاوضي لمصر. فكلما كان الداخل أكثر تماسكاً، ازدادت قدرة الدولة على المناورة بمرونة وفعالية.

وفي هذا الإطار، يمكن أن يشكّل توسيع هامش الحريات العامة، وتفعيل دور النقابات المهنية، وتعزيز الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني، عوامل داعمة للاستقرار الوطني، بما يعزز ثقة الشعب في مؤسساته، ويحصّن القرار السياسي من أي ضغوط خارجية. فالرهان على الشعب المصري، الذي أثبت على مدار العقود الماضية وعياً سياسياً عميقاً، يمكن أن يكون ركيزة أساسية في مواجهة أي استحقاقات قادمة.

مصر أمام خيارات استراتيجية

إن قدرة مصر على تحقيق التوازن بين استقلالية قرارها السياسي والحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية، تعتمد على تبني نهج يقوم على التدرج في القرارات، والاستثمار في الدبلوماسية الذكية، وتعزيز الاستقلالية الاقتصادية، مع الانفتاح على تحالفات إقليمية جديدة.

وفي هذا السياق، تظل مصر، بتاريخها العريق وحكمتها السياسية، قادرة على مواجهة التحديات بحنكة واتزان، مستفيدة من موقعها الجيوسياسي الفريد، وعلاقاتها الممتدة، وخبرتها الراسخة في إدارة الأزمات.

ويبقى السؤال: كيف ستوظف مصر هذه الأدوات والفرص لتعزيز مكانتها الإقليمية وحماية مصالحها الوطنية؟ الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة