لطيفة الطويلب أكادير
بعدما واكبت جريدة الصاد 24 خبر وفاة امرأة حامل تنحدر من بيكرى، انتهت حياتها بقسم الولادة بالمستشفى الجهوي الحسن الثاني بمدينة أكادير. المستشفى الذي أفاض الكأس وأخرج حراكًا شعبيًا ينادي بالإصلاح العاجل للمنظومة الصحية، وبالحد من الإهمال الكبير الذي يطال القطاع الصحي بالجهة ككل.
كون حادث الوفاة لا يرجع إلى مضاعفات طبية معقدة، بل إلى غياب طبيب التوليد، الطبيب الذي تم توقيفه سابقًا ولم يُعوض بطبيب آخر، مما تسبب في وفاة ضحية جديدة انضافت إلى سجل الوفيات في سلسلة من الحوادث التي تتكرر في صمت، وبلا معاقبة الجهة التي تتحمل المسؤولية التقصيرية في الحادث.
عدد الوفيات داخل قسم الولادة خلال أقل من شهر وصل، حسب المعطيات المصرح بها من الجهات المختصة، إلى عشر حالات حتى اليوم في القسم نفسه. وفي كل مرة يتم الحديث عن فتح تحقيق، لكن الحقيقة لا تظهر، والمسؤولية تضيع بين الإدارات.
هذه المأساة ليست فقط إدارية أو طبية، بل هي نتيجة مباشرة لفشل سياسي ذريع وواضح للجميع، لا من داخل المنظومة الصحية ولا من خارجها. فالمسؤولون عن القطاع الصحي، سواء داخل الوزارة الوصية أو في مناصبهم الجهوية داخل هذا الصرح الصحي، هم في الغالب منتمون لأحزاب سياسية.
وهنا مربط الفرس، فالمناصب تُوزع بالانتماء السياسي وليس بالكفاءات.
“هذا ديالنا وهذا ديالهم” كلمات تشمئز الآذان من سماعها لأنها تحز في النفس. مكالمات هاتفية تتطاير عبر الأسلاك لتغطي هذا وذاك، كلها تصرفات وقرارات مرفوضة من الناحية القانونية، لأن المواطنين المغاربة كلهم سواسية أمام القانون. لكن هذه التصرفات غير المسؤولة تخدم أجندات، وتتخذ لحسابات سياسية، وليس لتأمين حياة المواطن المغربي اليوم.
في خضم هذه الأحداث، خرج الدكتور الفارسي بتدوينة مثيرة على حسابه في إنستغرام، تحدث فيها عما وصفه بـ”التضحية بالأطر الطبية” وتحويلهم إلى أكباش فداء لتهدئة الرأي العام. التدوينة تضمنت لهجة احتجاجية حادة، ووجه فيها رسالة مباشرة إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، حدد فيها مهلة زمنية بـ72 ساعة لتصحيح الوضع أو كشف ما وصفه بـ”الحقيقة المسكوت عنها”.
التدوينة فتحت الباب أمام أسئلة كثيرة وعديدة:
هل يعرف الدكتور الفارسي معطيات لم تُكشف بعد؟
وهل ما يخفيه سيكون كافيًا لوضع الوزارة الوصية في موقف محرج أمام الرأي العام الوطني والدولي؟
وإذا ما استجاب الوزير لمطلبه، وأعاد الأطر إلى مناصبهم، فهل سيكون ذلك اعترافًا ضمنيًا بوقوع تواطؤ؟
وهل يكون الهدف من كل ما وقع هو فقط امتصاص الغضب لا أكثر؟
المواطن اليوم لا يثق في لغة البيانات. ما يريده هو موقف واضح، وتحقيق شفاف، ومحاسبة فعلية وجادة، لأن تكرار حالات الوفيات في مستشفى عمومي بسبب غياب طبيب هو دليل على انهيار منظومة الصحة وقيم المسؤولية في دولة تدّعي حماية الحق في الحياة المكفول في الدستور، وتسير عكس مسار الدولة الاجتماعية من خلال تفعيل ورش التغطية الصحية الذي نادى به صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
الفضيحة التي يعيشها مستشفى الحسن الثاني ليست إلا مرآة مصغرة حقيقية للحالة المتدهورة التي يعيشها قطاع الصحة في المغرب. قطاع يتخبط في سوء التسيير والتدبير، وتهميش الكفاءات، وتغليب المصالح الحزبية على حساب حياة المواطن والوطن.
وهنا سنقف قليلًا ونقول:
الوطن اليوم يحتاج إلى سياسي وطني، وليس إلى سياسي رأسمالي لا رأي له واضح، ولا جرأة لاتخاذ القرارات الصائبة والعاجلة.
الدكتور الفارسي أطلق تحذيره، والكرة الآن في ملعب الوزير الذي لا يفقه في مجال الصحة شيئًا سوى الاستماع إلى شكايات المواطنين المقهورين، والأطر الطبية والصحية التي تعاني الويلات. تتعدد الأرقام المخيفة لنساء تركن هذه الحياة، ويعلم الله حال عائلاتهن النفسية والصحية جراء هذه الصدمات المتتالية في المرفق الصحي نفسه.
ومما زاد الطين بلة تصريح السيد الوزير: “طلع الوزارة وحتج”.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل ستكون هناك محاسبة حقيقية بكل شفافية ووضوح؟
أم أن التدوينة ستُطوى كما طُويت أرواح النساء اللاتي فقدن حياتهن داخل جدران المستشفى الجهوي الحسن الثاني؟
ونقول في الختام:
قضاء الله وقدره، لله ما أخذ ولله ما أعطى، والمكتوب تصرف، ونغض الطرف، وتبقى “ريما على حالها القديمة”.
قدر الله وما شاء فعل، وإنا لله وإنا إليه راجعون.











