بقلم: المستشار الدكتور حسن بن ثابت
أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلاً واسعاً بتصريحاته الأخيرة بشأن قطاع غزة، التي اقترح فيها “إخلاء” سكان القطاع وإعادة توطينهم في دول مجاورة، مثل مصر والأردن، بدعوى أن هذا الإجراء يمثل خطوة نحو تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار. هذه التصريحات، رغم ظاهرها الإنساني، تكشف عن مقاربة أحادية لا تراعي تعقيدات القضية الفلسطينية، وتُثير إشكاليات قانونية وأخلاقية تتطلب الوقوف عندها.
تحليل قانوني للمقترح
وفقاً للقانون الدولي الإنساني، يُعتبر التهجير القسري انتهاكاً صارخاً لمبادئ حقوق الإنسان. تنص اتفاقيات جنيف لعام 1949 على حظر نقل السكان المدنيين قسراً من أراضيهم، وتُجرّم أي محاولة لتغيير الطابع الديمغرافي لمناطق النزاعات. في هذا السياق، فإن اقتراح الرئيس ترامب بإعادة توطين سكان غزة في دول أخرى يمثل انتهاكاً لهذه القواعد، ويُعد تجاوزاً لحق الشعوب في البقاء على أراضيها، وهو حق مكفول بموجب القانون الدولي.
كما أن هذه الطروحات تتعارض مع قرارات الأمم المتحدة، ولا سيما القرار رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة، الذي يؤكد على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، وليس تهجيرهم إلى دول أخرى.
البُعد السياسي والإنساني للتصريحات
من الناحية السياسية، تعكس هذه التصريحات انحيازاً واضحاً لإسرائيل، حيث تتماشى مع توجهات تهدف إلى تفريغ قطاع غزة من سكانه بدلاً من معالجة جذور الصراع. إن مثل هذه المقترحات، التي تُطرح بمعزل عن السياق التاريخي والسياسي للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، تزيد من حدة التوتر في المنطقة وتفاقم معاناة المدنيين، الذين يعيشون أصلاً في ظروف إنسانية مأساوية بفعل الحصار والعمليات العسكرية.
من الناحية الإنسانية، تعكس هذه التصريحات فهماً قاصراً لمعاناة سكان غزة. بدلاً من الدعوة إلى إنهاء الحصار المفروض على القطاع، وتوفير الحماية للمدنيين وفقاً للقانون الدولي، تأتي هذه الطروحات لتفاقم أزمتهم وتجعلهم ضحية جديدة لمقاربات أحادية لا تخدم سوى أجندات سياسية ضيقة.
استئناف دعم التسليح .. انتهاك لالتزامات دولية
إلى جانب دعوته لإخلاء غزة، أعلن الرئيس ترامب استئناف تزويد إسرائيل بالأسلحة، مما يُثير تساؤلات حول مدى احترام الولايات المتحدة لالتزاماتها الدولية. إن توفير الأسلحة لدولة تخوض عمليات عسكرية في مناطق مكتظة بالسكان المدنيين قد يشكل مخالفة للمادة 1 المشتركة في اتفاقيات جنيف، التي تُلزم الدول بضمان احترام الاتفاقيات في جميع الظروف.
كما أن هذا الدعم قد يُفسر على أنه تشجيع ضمني لاستمرار العمليات العسكرية، مما يُعرض حياة آلاف المدنيين للخطر، ويُزيد من تعقيد الأوضاع الإنسانية على الأرض.
تناقض الخطاب الأمريكي
ورغم دعمه المعلن لإسرائيل، أبدى الرئيس ترامب تعاطفاً لفظياً مع سكان غزة، واصفاً الوضع هناك بأنه “فظيع وغير مقبول”. كما انتقد الأداء الإعلامي الإسرائيلي، داعياً إلى تحسين إستراتيجياتها في التعامل مع الرأي العام الدولي. هذه التناقضات في الخطاب تُثير تساؤلات حول مدى جدية الولايات المتحدة في التعامل مع القضية الفلسطينية كطرف نزيه، أم أنها مجرد محاولة لتلميع صورة الإدارة الأمريكية أمام المجتمع الدولي.
مسؤوليات المجتمع الدولي أمام تحديات القانون
تصريحات الرئيس ترامب الأخيرة بشأن غزة تمثل نموذجاً لنهج أحادي يتعارض مع مبادئ القانون الدولي ويفتقر إلى الواقعية السياسية. إن مقترح التهجير القسري، ودعم تسليح إسرائيل في ظل التصعيد العسكري، لا يمكن تفسيره إلا كخطوة تزيد من تعقيد الصراع وتهدد الاستقرار الإقليمي.
على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته القانونية والأخلاقية في مواجهة مثل هذه الطروحات، من خلال التأكيد على احترام مبادئ القانون الدولي الإنساني، والعمل على إيجاد حلول عادلة ومستدامة تتماشى مع قرارات الأمم المتحدة.
إن معالجة القضية الفلسطينية لا يمكن أن تتم عبر فرض حلول أحادية أو انتهاك حقوق الشعوب. بل تتطلب رؤية شاملة تضمن حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وتحقيق الأمن والاستقرار لجميع الأطراف وفق إطار قانوني وسياسي عادل ومتوازن.