بقلم المستشار الدكتور/ حسن بن ثابت
لطالما ترددت عبارة “كوني قوية” في مسامعي، حتى ظننتُ أنها المفتاح لكل شيء. رأيتُ من حولي من يتحدث عنها وكأنها درع يحمي المرأة من الانكسار، فاعتقدتُ أن القوة تعني الصمود المطلق، الاستقلالية التي لا تعرف ضعفًا، والندية التي لا تقبل التراجع. لكنني، ومع مرور الوقت، بدأتُ أدرك أنني كنتُ أرى الصورة من زاوية واحدة فقط.
كنتُ أراقب كيف تتغير بعض النساء تحت وطأة هذا المفهوم. منهن من حملن القوة فوق أكتافهن حتى أثقلهن، ومنهن من أخذنها ذريعة للندية الدائمة، وكأن العلاقة بين المرأة والمجتمع لا تُبنى إلا على التحدي والرفض. كنتُ أرى كيف تُدفع بعضهن إلى إنكار طبيعتهن الفطرية، وتجاوز حدودٍ وضعها الدين والأعراف المشروعة، فقط لأنهن ظنن أن القوة تعني كسر كل القيود، حتى ولو كانت تلك القيود هي ما يمنحهن التوازن والاستقرار.
حين تتحول القوة إلى عبء
رأيتُ كيف أصبحت القوة عند البعض سباقًا لا ينتهي، صراعًا داخليًا يرفض الاعتراف بالحاجة إلى المساندة أو الاحتواء. كنتُ أرى نساءً يرفضن التعبير عن مشاعرهن خوفًا من أن يُفسَّر ذلك ضعفًا، وأخريات يُجبَرن أنفسهن على مواجهة كل شيء وحدهن حتى حين يكون في التعاون حكمة وراحة.
لكنني سألتُ نفسي: هل هذه هي القوة حقًا؟ هل أن تكون المرأة قوية يعني أن ترفض طبيعتها، أن تحيا في مواجهة دائمة، أن ترى الرجل نِدًّا بدل أن يكون شريكًا، وأن تنكر حاجتها إلى الدعم؟
القوة الحقيقية: توازن لا صراع
اليوم، أرى الأمور بشكل مختلف. لم تعد “كوني قوية” تعني بالنسبة لي التحدي المطلق، ولا رفض الأدوار الفطرية، ولا الصلابة المستمرة. بل صارت تعني أن تكون المرأة واعية بمكانتها، مدركة لحقيقتها، قادرة على التكيف دون أن تفقد جوهرها. القوة لا تعني التمرد على الطبيعة، بل معرفة كيف توازن بين الاستقلالية والاحتياج، بين الحزم واللين، بين الطموح والالتزام بالضوابط المشروعة.
إن القوة الحقيقية ليست أن تعيش المرأة في عزلة عن حاجاتها العاطفية والنفسية، بل أن تدرك متى تصمد، ومتى ترتاح، ومتى يكون اللجوء إلى الآخر قوة في حد ذاته. ليست في فرض الندية المطلقة، بل في احترام الشراكة، وفهم أن التوازن هو مفتاح القوة الحقيقية.
اليوم، حين أسمع “كوني قوية”، أبتسم. لأنني أدركتُ أن القوة ليست عبئًا، بل اختيارٌ حكيم، يضع الأمور في نصابها، ويمنح كل شيء قدره دون إفراط أو تفريط.