في السنوات الأخيرة، شهدت بعض المدن المغربية تصاعدًا مقلقًا في ظاهرة الاعتداءات العلنية على المواطنين وممتلكاتهم، حيث انتشرت مقاطع فيديو توثق عمليات سطو واعتداءات بالسلاح الأبيض، يقوم بها قاصرون وشباب في مقتبل العمر. هذه المشاهد، التي أصبحت مألوفة على منصات التواصل الاجتماعي، تثير مخاوف المجتمع من اتساع دائرة العنف وانعكاساته على الشعور العام بالأمن والأمان.
لم يعد الأمر مقتصرًا على الاعتداءات التقليدية، بل تطورت أساليب الإجرام لتشمل استخدام وسائل جديدة تزيد من خطورة الظاهرة. من بين أبرز هذه الأساليب، تكسير زجاج السيارات بشكل عشوائي، حيث تُرتكب هذه الأفعال من قبل مراهقين مدفوعين بحالة من الهياج نتيجة تعاطي المخدرات، مما يؤدي إلى خسائر مادية جسيمة للمواطنين. كما ظهرت ظاهرة “الكريساج” باستخدام الكلاب الشرسة، حيث يلجأ بعض المنحرفين إلى تدريب كلابهم على مهاجمة الضحايا وسلب ممتلكاتهم، مما يجعل من الصعب على المواطنين الدفاع عن أنفسهم. إضافة إلى ذلك، تفشت ظاهرة استخدام الدراجات النارية لتنفيذ عمليات سلب ونهب، خصوصًا استهداف المارة، وعلى وجه التحديد النساء العاملات أثناء توجههن إلى العمل في الصباح الباكر.
المفارقة أن هؤلاء المعتدين، رغم ارتكابهم جرائم واضحة، غالبًا ما يتم الإفراج عنهم بعد تدخل أسرهم بالتوسل والتفاوض مع الضحايا لتقديم تنازلات، ما يفتح الباب أمام إعادة الكرة مرات ومرات. هذا الواقع يطرح إشكالية كبرى تتعلق بالحقوق المدنية للمواطنين الذين يتعرضون لهذه الاعتداءات، إذ كيف يمكن لمجتمع أن يشعر بالأمان في ظل إفلات المعتدين من العقاب الصارم؟ الأدهى أن بعض السكان يضطرون لبيع منازلهم في هذه الأحياء المتضررة بأسعار زهيدة، هربًا من دوامة العنف وانعدام الطمأنينة.
أحيانًا، يحاول القضاء مراعاة أعمار بعض القاصرين والتعامل معهم بمرونة، مانحًا إياهم فرصًا للإصلاح عبر تخفيف العقوبات أو إدماجهم في برامج اجتماعية، إلا أن العديد منهم لا يعيرون لهذه الفرص أي أهمية، بل يستغلون هذا التساهل لمضاعفة جرائمهم، غير مدركين أن القضاء راعى ظروفهم العمرية في البداية. هذا التساهل يؤدي إلى تفاقم الظاهرة، حيث يشعر هؤلاء بأنهم في مأمن من العقاب الرادع، مما يشجعهم على تكرار أفعالهم.
ورغم الجهود الجبارة التي تبذلها الأجهزة الأمنية، من خلال الدوريات المنتظمة في الأحياء الشعبية، إلا أن تفاقم الوضع يستدعي إعادة النظر في آليات التعامل مع هذه الظواهر. بات من الضروري تفعيل شرطة القرب وتعزيز مراكز الأمن في الأحياء الأكثر تضررًا، مع اتخاذ إجراءات وقائية وردعية صارمة تحد من انتشار هذه الظاهرة. كما أن الجهاز القضائي مطالب بتشديد العقوبات على المعتدين بحيث تكون رادعة بما يكفي لمنع تكرار هذه الجرائم. لا يمكن أن يستمر التعامل مع هذه القضايا بتساهل، إذ أن إعادة إدخال المعتدين إلى السجن دون تغيير حقيقي في ظروف العقوبة يعيد إنتاج الأزمة بدلاً من حلها. من هنا، قد يكون من الضروري إعادة النظر في نظام العقوبات داخل السجون، بحيث تشتمل على أعمال شاقة وبرامج إصلاحية تُجبر المذنبين على مراجعة سلوكهم.
الاعتداء على المواطنين ونشر الخوف بين السكان ليس مجرد جرائم فردية، بل هي تحديات تمس استقرار المجتمع وصورة البلاد. من هنا، فإن أي تهاون في التعامل معها يعني استمرار نزيف الخسائر البشرية والمادية، واستمرار شعور المواطن بعدم الأمان. المطلوب اليوم هو مقاربة شاملة تجمع بين الصرامة القانونية، والتدخل الأمني الفعال، والإصلاح الاجتماعي، لضمان بيئة آمنة ومستقرة للجميع.