بقلم: المستشار الدكتور حسن بن ثابت
ترامب في البيت الأبيض مجددًا – هل ستشكل عودته نقطة تحول تاريخية أم مجرد تكرار لدائرة الانقسامات؟
عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في لحظة فارقة من التاريخ الأمريكي، ليضع البلاد أمام امتحان جديد يعكس تعقيداتها السياسية والاجتماعية. في حين يتوقع أنصاره أن تمثل عودته بداية “عهد جديد” يحقق فيه رؤيته لعودة عظمتها، يرى منتقدوه أن هذا الحدث هو مجرد استمرارية للأزمات والانقسامات التي كانت سائدة خلال ولايته الأولى. وبينما يترقب الجميع ما ستؤول إليه أحداث هذا التحول، يبرز تساؤل أساسي: هل ستشكل عودة ترامب نقطة تحول تاريخية أم ستكون مجرد إعادة تكرار للماضي؟
العودة إلى دائرة الانقسامات – تحليل ديناميكية الحكم
قد يكون من الصعب النظر إلى العودة المرتقبة لترامب بمعزل عن المشهد السياسي والاجتماعي الذي سيطر عليه خلال فترته الأولى. فمن خلال شعاراته الجريئة مثل “أمريكا أولًا”، استطاع ترامب أن ينال دعمًا هائلًا من شريحة كبيرة من الشعب الأمريكي، غير أن هذا الدعم لم يكن خاليًا من عواقب. فقد أسفرت سياساته عن انقسامات عميقة بين مختلف فئات المجتمع، وزادت حدة الاستقطاب السياسي إلى مستويات غير مسبوقة.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض تثير تساؤلات جوهرية: هل سيستمر في تغذية هذه الانقسامات التي أثارتها سياسته في الماضي، أم سيقدم رؤية جديدة من شأنها جمع الصفوف؟ إن تكرار سياسات اقتصادية محافظة، مثل الحواجز الجمركية وتقليص الضرائب، قد يعيد إشعال نفس التوترات التي رافقت فترة حكمه الأولى، ما يثير القلق بشأن تأثير هذه السياسات على العلاقات الاجتماعية والمجتمعية في الولايات المتحدة.
التحقيقات القانونية – فرصة للتأثير السياسي أم تهديد للشرعية؟
من القضايا التي ستظل تلاحق ترامب بعد عودته إلى البيت الأبيض هي التحقيقات القانونية التي طالما كانت محورًا للجدل. رغم أنها قد تشكل تهديدًا حقيقيًا لشرعيته، إلا أن ترامب قد يراها كفرصة جديدة لتعزيز موقفه السياسي، حيث يعتقد الكثيرون أن هذه التحقيقات ليست سوى أداة سياسية تهدف إلى شيطنته. في المقابل، يمثل استمرار هذه القضايا اختبارًا صعبًا للنظام القضائي الأمريكي وقدرته على الفصل بين السياسة والقانون.
إن التعامل مع هذه القضايا القانونية سيكشف الكثير عن قدرة المؤسسات الأمريكية على تطبيق العدالة بموضوعية، بعيدًا عن التجاذبات السياسية. بالإضافة إلى ذلك، ستظل هذه القضايا تشكل عبئًا ثقيلًا على إدارة ترامب في حال استمرارها، ما يثير تساؤلات حول تداعياتها على استقرار حكمه.
السياسات الاقتصادية – المعضلة بين الإصلاح والتكرار
ترامب يواصل حمل شعاراته الاقتصادية المتعلقة بإعادة بناء أمريكا، مع التركيز على زيادة الإنتاج المحلي وخلق وظائف جديدة. إلا أن سياساته الاقتصادية قد تواجه تحديات كبيرة تتعلق بتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي ومعالجة التفاوتات الطبقية المتزايدة. فقد واجهت إدارته السابقة انتقادات حادة لعدم قدرتها على تقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وهو ما قد يعيد طرح التساؤلات حول فاعلية سياساته في هذا المجال.
إذا استمر ترامب في اتخاذ نفس المسارات الاقتصادية السابقة دون تغيير جوهري، فقد يكون لذلك عواقب وخيمة على الطبقات الأكثر تضررًا. أما إذا قرر تعديل استراتيجياته لتشمل سياسات أكثر شمولية تأخذ بعين الاعتبار تأثيراتها الاجتماعية، فقد يكون ذلك خطوة نحو معالجة المشكلات الهيكلية للاقتصاد الأمريكي.
السياسة الخارجية – إعادة تأكيد الهيبة أم استمرار العزلة؟
تعتبر السياسة الخارجية أحد أبرز التحديات التي ستواجه إدارة ترامب الثانية. فمن خلال انسحابه من العديد من الاتفاقيات الدولية في فترته الأولى، بما في ذلك اتفاق باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني، تسبب ترامب في توتر علاقات الولايات المتحدة مع العديد من حلفائها التقليديين. هذا التوجه قد يزداد تأثيره في فترته الرئاسية الثانية إذا ما استمر في تبني سياسات أحادية الجانب.
السؤال المهم هنا هو: هل ستستمر أمريكا في عزلتها عن العالم، أم أن ترامب سيبادر بتعديل استراتيجياته ليشمل التعاون الدولي في قضايا مثل الأمن العالمي، والتغير المناخي، والتجارة؟ في ظل التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة في مواجهة القوى العالمية الصاعدة مثل الصين، سيكون من الضروري لترامب التفكير في أبعاد سياسته الخارجية أكثر من أي وقت مضى.
تحول أم استمرار؟
إن عودة ترامب إلى البيت الأبيض ليست مجرد استعادة لمنصب سياسي، بل هي أيضًا اختبار حقيقي لقدرة الولايات المتحدة على التكيف مع التحولات الكبرى التي تطرأ على الساحة العالمية. فبينما يراها البعض فرصة لإعادة إحياء “أمريكا العظمة”، يشكك آخرون في قدرتها على تجاوز نفس الانقسامات والأزمات التي كانت تميز فترة حكمه الأولى. ستظل الفترة الرئاسية الثانية لترامب نقطة فارقة في تاريخ السياسة الأمريكية، ما بين استمرارية لنهج يعزز الانقسامات أو بداية لتوجهات قد تكون أكثر توافقًا مع متطلبات الواقع السياسي الجديد.
بينما سيواجه ترامب العديد من القضايا الداخلية والخارجية، سيظل السؤال المحوري هو: هل سيشكل حكمه الجديد تحولًا حقيقيًا يعيد بناء الأمة بشكل موحد، أم أن الأمر لن يتعدى كونه إعادة صياغة للصراعات القديمة؟