بقلم المستشار الدكتور/ حسن بن ثابت
مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يدخل العالم مرحلة جديدة من التوترات الجيوسياسية وإعادة ترتيب التحالفات، وسط انقسامات حادة تعيد تشكيل النظام الدولي. فمنذ توليه الرئاسة، انتهج ترامب سياسة خارجية قائمة على إعادة تعريف المصالح الأمريكية وفق رؤية أحادية، أثرت بشكل مباشر على التوازنات العالمية ودفعت العديد من الدول إلى البحث عن خيارات بديلة بعيدًا عن الهيمنة التقليدية للولايات المتحدة.
التحولات الكبرى في المشهد الدولي
يمكن ملاحظة أن عهد ترامب الثاني يحمل مؤشرات واضحة على انقسام العالم إلى محاور متباينة، حيث تتشكل تحالفات جديدة على أنقاض العلاقات التقليدية. فمن جهة، هناك المحور الأمريكي الذي يضم حلفاء واشنطن التقليديين في أوروبا وآسيا، وإن كان ذلك بتوترات متزايدة، ومن جهة أخرى، نشهد صعود محور مضاد بقيادة الصين وروسيا، مدعومًا بدول تسعى لكسر الاحتكار الغربي للقرار العالمي، مثل إيران والهند وبعض الدول الإفريقية واللاتينية.
أوروبا بين الضغوط الأمريكية والانفتاح على الشرق
العلاقات بين واشنطن وبروكسل لم تعد كما كانت، فقد شهدت توترًا متزايدًا نتيجة لسياسات ترامب الاقتصادية والعسكرية، خصوصًا فيما يتعلق بحلف الناتو وملف الإنفاق الدفاعي. وبالتوازي مع ذلك، تسعى دول مثل فرنسا وألمانيا إلى تعزيز استقلالهما الاستراتيجي، سواء من خلال زيادة التعاون العسكري داخل الاتحاد الأوروبي أو فتح قنوات جديدة مع بكين وموسكو لموازنة النفوذ الأمريكي.
الصين وروسيا: شراكة استراتيجية في مواجهة الهيمنة الغربية
الصين، التي باتت القوة الاقتصادية الثانية عالميًا، تواصل تحدي النفوذ الأمريكي من خلال تعزيز مبادرة “الحزام والطريق”، وبناء تحالفات اقتصادية وعسكرية مع دول متعددة. وفي الوقت ذاته، تجد روسيا في سياسات ترامب فرصة لتعزيز نفوذها، سواء في أوكرانيا أو الشرق الأوسط أو حتى في القارة الإفريقية، حيث تسعى إلى ملء الفراغ الناجم عن التراجع الأمريكي في بعض الملفات.
الشرق الأوسط: المنطقة الأكثر تأثرًا بالتغيرات الدولية
الشرق الأوسط ليس بمنأى عن هذه التحولات، فسياسات ترامب في المنطقة تميل إلى دعم إسرائيل بشكل غير مشروط، مع استمرار الضغوط على إيران عبر العقوبات والضربات غير المباشرة. في المقابل، تسعى بعض الدول العربية إلى تنويع شراكاتها الدولية، مع زيادة التقارب مع الصين وروسيا لضمان توازن استراتيجي في مواجهة الاضطرابات المحتملة.
هل نحن أمام نظام عالمي جديد؟
من الواضح أن العالم يشهد مرحلة إعادة تشكل عميقة، حيث تسعى كل قوة كبرى إلى تعزيز موقعها في ظل انقسامات متزايدة. ومع تصاعد التوترات، تظل الأسئلة الكبرى قائمة: هل سنشهد استقرارًا جديدًا مبنيًا على توازن القوى، أم أن الانقسامات الحالية ستقود إلى مزيد من الفوضى والصراعات؟
الإجابة قد تتضح في السنوات القليلة القادمة، لكنها بلا شك ستكون مليئة بالمفاجآت والمتغيرات.