تصاعد مظاهر العنف الحضري… حين يتحول التهديد إلى واقع يومي

ادارة النشر9 أبريل 2025آخر تحديث :
تصاعد مظاهر العنف الحضري… حين يتحول التهديد إلى واقع يومي

ادريس طيطي /الحصاد24.

خلال السنوات الأخيرة، بدأت مدن مغربية عديدة – خصوصًا الأحياء الشعبية – تشهد تحولات مقلقة في طبيعة الجريمة وشراستها. لم يعد الأمر يقتصر على السرقة بالعنف أو الاعتداءات العابرة، بل تطور إلى أنماط جديدة باتت تثير القلق وتطرح تساؤلات جدية حول جاهزية المنظومة الأمنية لمواجهتها. من الاستعانة بكلاب هجينة لترهيب الضحايا، إلى مشاهد غير مألوفة يُقدم فيها بعض الأشخاص على مهاجمة رجال الأمن بالسيوف والسكاكين، وكأنهم فقدوا كل إحساس بالعواقب.

اللافت في هذه الظواهر ليس فقط حدّتها، بل الجرأة التي تتم بها. فقد أصبحنا نتابع على مواقع التواصل الاجتماعي، بشكل شبه يومي، فيديوهات توثق لحظات عنف صادمة، يتواجه فيها شخص أو أكثر مع عناصر الأمن، دون خوف أو تردد، وأحيانًا في حالات هيجان تجعل المتابع يتساءل إن كان هؤلاء الأفراد في وعيهم الكامل. بعض هذه المواجهات تنتهي بإصابات خطيرة، كما وقع مؤخرًا في أكادير، حيث تعرض رئيس الشرطة القضائية بمنطقة تكوين لاعتداء بسلاح أبيض، ولا يزال يتلقى العلاج حتى الآن.
من الظواهر المقلقة أيضًا ما بات يعرف بـ”تكسيير زجاج السيارات”، وهي ممارسة تخريبية يتعرض لها أصحاب السيارات او غيرها، سواء المتوقفة في الأزقة أو حتى خلال مرورها. الأدهى من ذلك، أن هذه الاعتداءات كثيرًا ما تنتهي بتدخل أسر الجناة – غالبًا قاصرون – لتعويض المتضرر بثمن الزجاج المكسور فقط، وذلك مقابل تنازل كتابي يتم بموجبه إطلاق سراح المعتدي، وكأننا أمام ملف مدني بسيط لا علاقة له بأمن المواطنين.
من المهم التوضيح هنا أن هذا المبلغ لا يُعد كفالة قانونية ولا غرامة قضائية، بل مجرد تعويض مادي لا يُغير من طبيعة الجرم المرتكب، ولا يمكن أن يُعتبر مبررًا للإفراج أو التساهل. بل حتى دفع الكفالة القضائية، في حال قررها القضاء، يجب أن يُنظر إليه كإجراء احترازي فقط وليس كعقوبة بديلة، خصوصًا حين يتعلق الأمر بأفعال تُهدد حياة المواطنين وتزرع الخوف في نفوسهم. فهذه الجرائم ليست خلافًا مدنيًا بسيطًا يمكن حلّه بالتراضي أو المال، بل هي سلوكيات تمس أمن الأفراد وسلامة المجتمع برمّته، وبالتالي يجب التعامل معها بمنطق الردع لا التسوية.

وسط هذا الوضع، تبرز الحاجة إلى خطة ردع متكاملة تنطلق من ثلاث مراحل أساسية، لا بد أن تُفعّل بتنسيق صارم بين الأمن والقضاء ومؤسسات العقاب، حتى نضمن فعلاً أن الجريمة لن تمر بلا ثمن:

أولاً، الصرامة الميدانية تحت أوامر واضحة من عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني، الذي يجب أن يُفعّل توجهًا حاسمًا يُعطي الضوء الأخضر لكل رجال الأمن للتدخل بقوة، وبكل ما يتيحه لهم القانون من صلاحيات، من أجل ضبط كل من يتسبب في تهديد أمن المواطنين دون أدنى تساهل أو تهاون.

ثانيًا، دور القضاء الحاسم، الذي يجب أن يُفعل سلطته التأديبية بصرامة، عبر إصدار أحكام مشددة، تردع وتوجه رسالة واضحة مفادها أن من يعتدي أو يُخِل بالنظام العام، عليه أن يتحمل تبعات أفعاله بشكل جدي وحازم. فالتساهل في هذه المرحلة يُضعف الجهود الأمنية، ويفتح الباب أمام التمادي.
وثالثًا، وهو عنصر لا يقل أهمية، نقل المجرمين إلى سجون بعيدة عن بيئتهم الأصلية، بما يُعرف بـ”الترانسفير”، وهي خطوة ضرورية لتفكيك الشبكات الإجرامية المحلية، وحرمان المعتدي من محيطه الذي يُقوّيه معنويًا أو يسهّل له العودة إلى الجريمة. فوجوده في نفس الحي أو المدينة بعد إطلاق سراحه يُعد خطأً استراتيجيًا يُقوّض كل مجهودات الردع.
من دون هذه المراحل الثلاث المترابطة، سنظل ندور في حلقة مفرغة؛ المجرم يُلقى عليه القبض، ثم يُفرج عنه بسهولة، ليعود من جديد، وربما بأخطر مما سبق. أما حين يُواجه بحزم أمني، وعدالة صارمة، وعقوبة حقيقية تُنفذ في مكان لا يتيح له استعراض بطولاته الزائفة، حينها فقط نكون أمام سياسة أمنية رادعة بالفعل.

كل هذا يحدث في وقت حرج، تستعد فيه البلاد لاستحقاقات مهمة، تتطلب استقرارًا اجتماعيًا وأمنيًا واضحًا. وهو ما يفرض على الجميع، من سلطات أمنية ومحلية، العمل بشكل منسق واستباقي، لتطويق هذه الظواهر قبل أن تتحول إلى نمط يومي لا يمكن السيطرة عليه.
الرسالة التي يبعث بها الرأي العام من خلال النقاشات والنداءات المتكررة على المنصات الاجتماعية واضحة: لا نريد التساهل، بل نطالب بحزم أكثر، وردود فعل حازمة، تُعيد الهيبة للمؤسسات، وتُرجع الشعور بالأمان للمواطنين. فالوقاية لا تبدأ فقط من الشارع، بل من القرار.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة