ترامب . عرّاب الفوضى والانقسام الذي يصر على إشعال الشرق الأوسط

ادارة النشر4 فبراير 2025آخر تحديث :
ترامب . عرّاب الفوضى والانقسام الذي يصر على إشعال الشرق الأوسط

بقلم المستشار الدكتور/ حسن بن ثابت

منذ عودته إلى البيت الأبيض، أصبح دونالد ترامب يواصل نهجه الذي لطالما اتسم بالتجاهل الفاضح للحقوق الإنسانية والقوانين الدولية، ليضع الشرق الأوسط على حافة الهاوية مرة أخرى. الرئيس الأمريكي الذي طالما جاهر بتأييده الكامل للكيان الصهيوني، يصر على إعادة إشعال الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي عبر مقترحات لا تضمن إلا مزيدًا من الفوضى والانقسام. اليوم، يبدو أن ترامب لا يكتفي بتأجيج الأزمة الفلسطينية بل يسعى إلى تصديرها للدول المجاورة عبر محاولات غير مسبوقة لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن، متجاهلًا تمامًا حقوق الشعب الفلسطيني.

ترامب، الذي يتبنى سياسة محاباة الاحتلال الإسرائيلي، يتجاهل بشكل صارخ المواثيق الدولية التي تحظر التهجير القسري وتضمن حق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم. فعلى الرغم من قرارات الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف التي تضمن حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم على حدود ما قبل 1967، يواصل ترامب دفع مشروعه الصهيوني عبر دعم غير محدود للاحتلال الإسرائيلي وتجاهل تام للشرعية الدولية. الأكثر من ذلك، هو تمسكه المثير للدهشة بتصفية القضية الفلسطينية وتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني، عبر تصدير هذه الأزمة إلى جيرانه.

إن محاولات ترامب لتهجير الغزاويين قسرًا ليست مجرد دعوة لتحريك السكان من مكان لآخر، بل هي تصفية لحقوقهم التي ثبتت بالقانون الدولي على مر السنين. هذا التوجه، الذي يسعى إلى تحويل القضية الفلسطينية إلى قضية ثانوية، يعكس تنكرًا واضحًا لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها.

أكثر ما يثير الغضب هو أن ترامب، الذي يروج دائمًا لنفسه كمدافع عن حقوق الإنسان، يتجاهل ببساطة المبادئ الأساسية للقانون الدولي. بينما يستمر في تقديم الدعم اللا محدود لإسرائيل في محاولاتها لتوسيع مستوطناتها غير الشرعية على الأراضي الفلسطينية، يرفض ترامب الاعتراف بالحقوق الفلسطينية أو ضمان تطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

يستخدم ترامب تكتيك الضغط السياسي والاقتصادي على الدول العربية، خصوصًا مصر والأردن، بهدف فرض “حلول” مزعومة تقوم على توطين الفلسطينيين في دول الجوار. في سعيه الحثيث لتوسيع دائرة النفوذ الإسرائيلي، يضع ترامب حجة الأمن الإسرائيلي في المقام الأول، مما يفضح دوره كأداة في يد القوى المتطرفة التي تسيطر على مفاصل السياسة في تل أبيب.

مع تكثيف ترامب لجهوده في تمرير مخططه، كان موقف مصر والأردن ثابتًا وقويًا في رفض أي محاولة لتهجير الفلسطينيين أو تغيير وضعهم القانوني. فمصر، التي تحملت عبء القضية الفلسطينية على مدى عقود، لا يمكنها أن تتحمل أن تصبح جزءًا من هذه المؤامرة السياسية. نفس الموقف يتبناه الأردن الذي يرفض بحزم أي محاولات تهدف إلى التلاعب بالحدود الجغرافية أو تغيير الوضع السياسي للاجئين الفلسطينيين، إذ يرفض الأردن تصفية حقوق اللاجئين الفلسطينيين على حساب هويته الوطنية وسيادته.

لقد دفع كل من مصر والأردن ثمناً باهظاً في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، ورفضت كل الضغوط الأمريكية التي سعت إلى دفعها نحو قبول حلول تتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني. إلا أن ترامب يواصل إصراره على خرق القوانين الدولية، مستخدمًا العقوبات والتهديدات لتطويع هذه الدول العربية.

لا يُعتبر ترامب مجرد رئيس أمريكي سابق، بل هو في الحقيقة أحد أبرز المروجين للمخططات الإسرائيلية في المنطقة. فمنذ توليه منصب الرئاسة، دفع ترامب بكل قوته لتمكين الاحتلال الإسرائيلي، بدءًا بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ثم بإعطائه الضوء الأخضر للاستيطان في الضفة الغربية، مرورًا بترويج ما يُسمى بـ “صفقة القرن” التي كانت في جوهرها محاولة لإلغاء القضية الفلسطينية وتصفية حقوق الشعب الفلسطيني بشكل دائم.

وبذلك، يُظهر ترامب أنه ليس مهتمًا بتحقيق السلام العادل، بل في استمرار الهيمنة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، دون اكتراث بالحقوق الإنسانية أو القانونية للفلسطينيين أو استقرار المنطقة.

اليوم، القضية الفلسطينية ليست مجرد صراع على الأراضي فحسب، بل أصبحت مسألة سيادة وكرامة لدول المنطقة. إذ بات من الواضح أن استقرار الشرق الأوسط بأسره أصبح رهينًا بالموقف العربي الموحد تجاه المخططات الأمريكية والإسرائيلية. إن قبول أي شكل من أشكال الحلول التي تفرضها الولايات المتحدة أو إسرائيل قد يعني بداية نهاية الحقوق الفلسطينية، وبالتالي بداية تفكيك الأنظمة العربية وتهديد هويتها السياسية.

في هذا السياق، يتوجب على الدول العربية، وخصوصًا مصر والأردن، أن تظل متماسكة في موقفها الرافض للضغوط الغربية، وأن تسعى إلى تعزيز التعاون فيما بينها لضمان أن تبقى القضية الفلسطينية محورية في السياسة الإقليمية والعالمية. التنازل عن هذه القضية، أو تقديم التضحيات في سبيل علاقات سياسية قصيرة الأجل مع واشنطن، سيعني فتح أبواب المنطقة لمزيد من الفوضى والدمار.

إن تحدي ترامب المستمر للحقوق الفلسطينية والقوانين الدولية لا يمكن أن يمر دون ردة فعل من الدول العربية. إن المعركة ليست مجرد معركة سياسية فحسب، بل معركة وجودية لأمة بأكملها. أمام هذا التحدي الكبير، إما أن تتوحد الدول العربية في رفض هذه المخططات، أو أن تدفع المنطقة ثمنًا باهظًا من استقرارها وسيادتها.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة