بقلم /عبد الإله شفيشو / فاس
إن التفسير السياسي لشبح الطائفية عاد ليخيم على منطقة الشرق الأوسط فقيل إنها سبب الفوضى والصراعات والتطرف وإنها هي التي تحدد الشرخ الرئيسي الذي يقسم المنطقة أي ذاك الذي يفصل بين مذهبي السنة والشيعة نظرة فيها قوة وبلاغة النظريات الكبرى التي تبدو قادرة على تفسير كل شيء، فلقد أتى نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 واندلاع صراع على زعامة العالم الإسلامي بين إيران الشيعية والسعودية السنّية ليزيد من التفرقة بين أبناء المذهبين وهي تفرقة لم يخلقها هذا الصراع بل غذّاها ووضعها في موضع الصدارة، ولا شك أن التوتر بين الطائفتين الرئيسيتين في الإسلام لعب ماضيا وحاضرا دوره في حركيات المنطقة إلا أن السواد الأعظم من العنف الذي جر الويلات والخراب على المنطقة ليس له علاقة تذكر بالتوتر الطائفي فمن الواضح تماما أن أبشع الصراعات وأكثرها دموية ودلالة جرت داخل الطائفة السنية نفسها، فالصراع بني السنة والشيعة قد استحكم سنة2003 بعد الغزو الذي تعرض له العراق من الحلف الأطلسي وقد فرض هذا الصراع نفسه وكان الصراع بين الشيعة والسنة دافعا للظهور السريع للتنظيم الذي سمى نفسه الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) واتخذ الصراع السني الشيعي مؤخرا منعطفا عسكراي جديدا في اليمن وذلك بعد الإلتزام السعودي/الوهابي غير المسبوق في محاربة الحوثيين المسنودين من إيران وقد كان هذا الصراع كامنا دائما في المملكة السعودية حيث تعيش أقلية شيعية مهمشة (10 %) في شرق البلاد وكان كامنا بصورة أكبر في مملكة البحرين حيث ُتَّهمش الأغلبية الشيعية (70 %) من لدن العائلة السنية الحاكمة معولة في ذلك على الدعم السعودي واللامبالاة الغرب.
إن التفسير الخاطئ للطائفية يمزق الشرق الأوسط ويؤدي حتما إلى حلول غير ملائمة لها وهذا ما تقوم به الإدارة الأميركية بتحليلها لنزاعات الشرق الأوسط من منظور طائفي بين مذهبي السنة والشيعة، فليس من المبالغة القول إن الإنقسام تحت عنوان سنة وشيعة يشكل اليوم أحد أبرز العوامل الصراعية في المجتمعات ذات الغالبية المسلمة إلى حد أن كثيرين يصفون أبناء هاتين الطائفتين بـالإخوة الأعداء وكثيرون يرددون حكاية الصراع الذي لم يهدأ منذ نحو 14 قرنا بين الطرفين، فالمشكلة الأساسية في القول بـصراع أبدي بين الطائفتين هي أنه يحاول تفسير الواقع بناءا على فرضية تعميمية وبالتالي يحجب أجزاء كثيرة من المشهد التاريخي والراهن تخالف هذه الفرضية بدءا من طمس محطات تاريخية وراهنة شهدت وتشهد تعاونا وثيقا بين فئات من المذهبين وصولا إلى غض النظر عن أن لوحة التحالفات والصراعات في العالم الإسلامي أكان في الماضي أو في الحاضر أعقد بكثير من اختصارها بهذه الثنائية، فالتفسير الغربي الخاطئ للأحداث إلى الفشل في توقع ما ستؤول إليه الأمور بين إيران القوة الشيعية الكبرى وتركيا القوى السنية الكبرى اللتين قررتا عدم ترك الإختلافات بينهما تؤثر على إمكانية التوصل إلى تفاهمات كما أدى هذا التفسير إلى فهم خاطئ لديناميكية العلاقات بين الشيعة الإيرانيين والشيعة العراقيين التي لا تعزى إلى التضامن الطائفي بينهما بقدر ما تعزى إلى قلقهما المشترك حيال دور الولايات المتحدة الأميركية، ففي حال انسحبت القوات الأميركية من العراق من المرجح عندها أن تعود الخلافات بين الطرفين إلى الواجهة من جديد بين القومية الإيرانية والعراقية من ناحية وبين مختلف أنواع المذاهب الشيعية السائدة في كلا البلدين من ناحية أخرى، ولقد أدى التفسير الخاطئ أيضا بواشنطن إلى تقييم غير صحيح للدعم الذي تقدمه روسيا للنظام السوري وهو الدعم الذي لم يؤثر سلبا على العلاقات بين موسكو والأنظمة السنية العربية إطلاقا بل سمح لروسيا بتعزيز وجودها ومنحه طابعا شرعيا في المنطقة بأسرها.
إن هذا التفسير للطائفية ما زال اليوم يحمل على إرتكاب أخطاء أخرى في المناهج المتبعة فمحاولة تشييد حلف شمال أطلسي عربي لجمع شمل الدول العربية السنية في مواجهة إيران عملية غرقت في الخلافات الخليجية الداخلية، فما زالت الطائفة السنية في هذه المنطقة يرون في إيران خطرا محدقا بهم ولكن اعتقاد أمريكا بأن خطابها العدائي سيمكنها من توحيد العرب السنة داخل حلف مضاد لإيران يأتي في الوقت الذي تنشغل فيه الأنظمة العربية وبشكل متزايد بالتحديات التي تمثلها تركيا، فتركيا ذات التوجه العثماني المتجدد هي منافس أهم بكثير من إيران وجذور النزاع بين الأتراك والعرب ترقى إلى مئات السنين في التاريخ فلقد بسطت الإمبراطورية العثمانية سلطتها على مدينتي مكة والمدينة لأربعة قرون في حين إيران لم تفعل فالحنين لأمجاد الماضي لا يزول بسهولة. وتبني النظريات التبسيطية له نتائج فادحة فهي تتجاهل الصراعات الحقيقية التي ستحدد مستقبل الشرق الأوسط، لذاك فإن من اللازم أكثر من أي وقت مضى أن يعمل على تسليط الضوء ليس على ما يفرق لكن على ما يقرب بين التيارين الأساسين في الإسلام(التيار السني والتيار الشيعي) فهل المواجهة بينهما حتمية لا مهرب منها؟ وهل من المحال أن يعم السلام بينهما؟.