إدريس طيطي
نتفق جميعا على أن العدالة لا تكون عدالة إن خلت من الرحمة، خصوصا حين يتعلق الأمر بأطفالٍ لم يتجاوزوا الثانية عشرة من عمرهم. نعم، لقد تورط بعضهم في أعمال تخريب وإضرام نار، وظهرت وجوههم واضحة في تسجيلات الكاميرات، لكننا حين نراهم لا نرى مجرمين، بل نرى ضحايا لتربية غابت، ولرقابةٍ ضعفت، ولأُسرٍ تركت أبناءها يخرجون في ساعات متأخرة من الليل — العاشرة أو الحادية عشرة — دون وعي بما قد يرتكبونه.
العدالة حين قررت إطلاق سراح هؤلاء الأطفال لم تخطئ، بل مارست وجها آخر من وجوهها، وجه الرحمة الإنسانية التي لا تغلق الأبواب في وجه مستقبل طفلٍ أخطأ، لكنها في الوقت نفسه لا يمكن أن تسمح بأن تمر مثل هذه الحوادث مرور الكرام. فالخطأ ليس فقط خطأ الطفل، بل خطأ من ربّاه وأغفلوا ان المواطنة تربية وسلوك. لقد كشفت هذه الأسر عن حقيقتها دون أن تدري، عرت ضعفها أمام المجتمع حين قدمت أبناءها صورة لما غاب عنها من قيم ومسؤولية. فحين نرى أطفالا في عمر الزهور يتجولون في الشوارع عند منتصف الليل، ندرك أن الخلل لم يكن فيهم بل في البيت الذي غابت فيه اللمسة التربوية، وضاع فيه الإحساس بالواجب.
لذلك، وجب أن تتحمل الأسر نصيبها من المسؤولية، وأن تحاسَب على تقصيرها، ليس بالعقاب القاسي، بل بالغرامة الرمزية التي تذكّرها بأن التربية مسؤولية لا تترك للصدفة. يجب أن تدرك كل أُم وكل أب أن الإهمال يقتل، وأن الوطن لا يحتمل مزيدا من “المنتوج التربوي الفاسد الذي يسيء إليه أمام العالم.
إن هؤلاء الأطفال الذين خرجوا ليلا لم يولدوا مخربين، لكنهم نتاج غياب التوجيه، ونتيجة مباشرة لتربية لم تحسن البرمجة، فأنتجت جيلا لا يعرف حدود الوطن ولا قيمة الأمن. لذلك، الرحمة واجبة، نعم، ولكن لا بد أن ترافقها المحاسبة، حتى يدرك الجميع أن العدالة لا تظلم أحدا، لكنها لا تتساهل مع التقصير.
رحمة تنقذ الأطفال، ومسؤولية تعلم الأسر كيف تعيد بناء القيم، وعدالة توازن بين القلب والعقل — هذا ما نحتاجه اليوم، حتى لا نعيد إنتاج نفس الخطأ غدا.










