إعداد: المستشار الدكتور/ حسن بن ثابت
يشكل التلوث البيئي والاستغلال غير المشروع للملك العمومي تحديًا بارزًا أمام التوازن بين التنمية الاقتصادية والحق في بيئة سليمة. ومع تزايد الشكاوى المرتبطة بهذه الإشكالات، يبرز التساؤل حول الإطار القانوني الذي ينظم حق المواطنين في اللجوء إلى الجهات المختصة لوقف هذه الاعتداءات أو المطالبة بالتعويض عنها.
الأساس القانوني لحماية البيئة والملك العمومي
يستند الإطار القانوني المغربي إلى منظومة تشريعية متكاملة تهدف إلى حماية البيئة وضمان الاستعمال المشروع للملك العمومي، ومن أبرز هذه القوانين:
القانون رقم 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة، الذي يُلزم الفاعلين العموميين والخواص باتخاذ التدابير اللازمة لمنع الإضرار بالبيئة.
القانون رقم 12.03 المتعلق بدراسات التأثير على البيئة، والذي يفرض تقييم الأثر البيئي للمشاريع الكبرى.
القانون رقم 28.00 المتعلق بتدبير النفايات، الذي ينظم طرق التخلص من النفايات وفق معايير بيئية صارمة.
القانون رقم 81.12 المتعلق بالساحل، الذي يمنع استغلال الملك العمومي البحري دون إذن قانوني.
القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء، الذي يضع إطارًا قانونيًا لحماية الموارد المائية من التلوث والاستغلال المفرط.
القانون الجنائي المغربي، خاصة الفصل 609، الذي يجرم الأفعال التي تضر بالصحة العامة أو تلوث الموارد الطبيعية.
حق المواطن في التظلم وفق المساطر القانونية
يمنح القانون المغربي المواطنين المتضررين من التلوث أو الاستغلال غير المشروع للملك العمومي الحق في تقديم شكايات إدارية أو قضائية وفق مساطر محددة، لضمان تحقيق العدالة البيئية وحماية الحقوق الفردية والجماعية.
1. الجهات المختصة بتلقي الشكايات
يعتمد المسار القانوني لمعالجة هذه القضايا على طبيعة الضرر والجهة المسؤولة عنه، ويمكن للمواطنين التوجه إلى:
السلطات المحلية (القائد، الباشا، الوالي): بصفتها الجهة الأولى المسؤولة عن النظام العام، يحق لها التدخل الفوري لوقف التجاوزات.
الجماعات الترابية: بموجب الفصل 83 من القانون التنظيمي رقم 113.14، تتحمل الجماعات مسؤولية تدبير الملك العمومي وضبط استغلاله.
النيابة العامة: استنادًا إلى المادة 89 من القانون الجنائي، يمكن متابعة كل من يتسبب في الإضرار بالبيئة أو الملك العمومي.
المحاكم الإدارية: وفق القانون رقم 41.90، يحق للمواطنين الطعن في القرارات الإدارية غير المشروعة أو طلب التعويض عن الأضرار الناتجة عنها.
وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة: باعتبارها الجهة المكلفة بالسياسات البيئية، يمكن تقديم شكاياتها ضد المؤسسات المخالفة للمعايير البيئية.
الوكالة الوطنية للمياه والغابات: إذا تعلق الأمر بالتعديات على الغابات أو الموارد الطبيعية.
2. الإجراءات القانونية لرفع الشكايات
لضمان فاعلية الشكاية، يجب على المتضررين الالتزام بمسطرة قانونية محددة:
أ. إعداد الشكاية
يجب أن تتضمن الشكاية وصفًا دقيقًا للضرر، الأطراف المسؤولة عنه، والأدلة الداعمة (صور، شهادات، تقارير خبرة).
يمكن تقديم الشكاية بشكل فردي أو من خلال جمعيات بيئية أو مهنية لتعزيز الحظوظ القانونية.
ب. تقديم الشكاية للإدارة المختصة
يتم إيداع الشكاية لدى الجهة المعنية (الجماعة، السلطة المحلية، الوزارة الوصية)، إما مباشرة أو عبر البريد المضمون مع إشعار بالاستلام.
في حال عدم التجاوب داخل الأجل القانوني، يمكن تصعيد الأمر إلى جهات عليا، مثل وزارة الداخلية أو النيابة العامة.
ج. اللجوء إلى القضاء
إذا لم يتم حل الإشكال إداريًا، يحق للمواطنين رفع دعوى استعجالية أمام المحكمة الإدارية لوقف الضرر أو دعوى تعويضية أمام المحاكم الابتدائية.
في الحالات التي تنطوي على مخالفات جنائية، يمكن تقديم شكاية مباشرة لوكيل الملك وفقًا للمادة 609 من القانون الجنائي.
في النزاعات البيئية الكبرى، يمكن الاستعانة بخبرة قضائية لتحديد مدى الضرر والمسؤولية القانونية للجهة المشتكى بها.
تحديات إنفاذ القوانين البيئية وحماية الملك العمومي
رغم وجود ترسانة قانونية متقدمة، يواجه تنفيذ القوانين البيئية ومعايير حماية الملك العمومي تحديات متعددة، من أبرزها:
1. ضعف تفعيل العقوبات القانونية: إذ غالبًا ما تُواجه الانتهاكات البيئية بعقوبات غير رادعة، ما يشجع على تكرارها.
2. تعقيد المساطر الإدارية والقضائية: ما يجعل بعض المواطنين يعزفون عن تقديم الشكايات.
3. غياب الوعي البيئي لدى بعض الفاعلين: مما يؤدي إلى انتهاكات متكررة للمعايير البيئية دون إدراك لعواقبها القانونية.
4. تداخل الاختصاصات بين الإدارات المعنية: ما يعرقل سرعة معالجة الشكايات واتخاذ التدابير التصحيحية اللازمة.
إن ضمان الحق في بيئة سليمة والاستعمال العادل للملك العمومي ليس مجرد مطلب اجتماعي، بل هو التزام قانوني يفرض على الجهات المختصة التدخل بفعالية لحماية المصلحة العامة. غير أن تحقيق هذه الغاية يقتضي من المواطنين معرفة حقوقهم القانونية، ومن السلطات الحرص على تطبيق القوانين بحزم لضمان تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية.