“التصوير في المغرب: بين سلاح الإبداع وحدود القانون”

ادارة النشر11 يناير 2025آخر تحديث :
“التصوير في المغرب: بين سلاح الإبداع وحدود القانون”

بقلم: المستشار الدكتور/ حسن بن ثابت
قاضي دولي ورئيس مركز الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتسوية المنازعات

في زمن أصبحت فيه الصورة لغة عالمية تفوق الكلمات، وأداة تأثير تتجاوز الحدود، يجد التصوير نفسه في قلب معركة قانونية وأخلاقية. في المغرب، حيث يتشابك التاريخ مع الحداثة، وحيث تُرسم الحدود بين الحرية الفردية وحقوق المجتمع، يبدو التصوير وكأنه يمشي على حبل مشدود، يتأرجح بين التعبير الإبداعي والتقييد القانوني.

حرية التصوير… حقّ محفوف بالقيود

يُقرّ الدستور المغربي لعام 2011 بحرية التعبير كحق أصيل، ويمتد هذا الحق ليشمل حرية التصوير. إلا أن هذه الحرية لا تُمارس بلا ضوابط، حيث يتدخل القانون لتقييدها حينما تلامس حياة الآخرين أو تهدد الأمن العام.

الفصل 447-1 من القانون الجنائي، على سبيل المثال، يجرّم التقاط الصور أو تسجيل الفيديوهات دون إذن إذا كان ذلك ينتهك خصوصية الأفراد، مع فرض عقوبات صارمة تصل إلى الحبس. السؤال الذي يطرح نفسه: أين ينتهي حق التعبير، وأين تبدأ حماية الخصوصية؟

الأماكن العامة… ليست فضاءً مفتوحًا

قد يظن البعض أن التصوير في الأماكن العامة حق مطلق، لكنها في الواقع منطقة قانونية “رمادية”. صحيح أن الأماكن العامة تسمح بالتقاط الصور، لكن بشروط صارمة، أبرزها:

1. احترام خصوصية الأفراد:
حتى في الشارع، يمكن أن يكون تصوير شخص دون إذنه جريمة إذا نُشر بطريقة تمس سمعته أو حياته الشخصية.

2. القُصّر خط أحمر:
تصوير الأطفال دون موافقة أوليائهم ممنوع قانونًا، ويُعتبر انتهاكًا صريحًا للحقوق الأسرية.

3. الأماكن الحساسة ممنوعة:
تصوير المنشآت الأمنية أو العسكرية، حتى لو كانت في فضاء عام، يستدعي عقوبات مشددة ما لم يكن مرخصًا.

4. التصوير التجاري يتطلب تصريحًا:
أي مشروع تصوير احترافي أو تجاري في الأماكن العامة يحتاج إلى ترخيص مسبق من السلطات المختصة.

التصوير الخاص … حصانة مطلقة

بينما تترك الأماكن العامة هامشًا محدودًا للحرية، يفرض القانون حماية مطلقة على الأماكن الخاصة. تصوير الأفراد داخل منازلهم أو ممتلكاتهم دون إذن يُعد انتهاكًا صارخًا لحقوقهم، وقد يؤدي إلى متابعات قانونية صارمة.

الفضاء الرقمي: نعمة ونقمة

في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، تحول التصوير من وسيلة إبداع إلى أداة قد تُستخدم للتشهير أو الابتزاز. القانون المغربي، عبر قوانين الجريمة الإلكترونية، تصدى لهذه التحديات، لكن الفجوة بين النصوص القانونية وسرعة التطورات الرقمية لا تزال قائمة.

التصوير الصحفي… حرية بشروط

الصحفيون والمراسلون يتمتعون بحقوق أوسع في التصوير، لكنهم ملزمون باحترام نفس القواعد، خاصة تلك المتعلقة بحماية الخصوصية. التحدي الأكبر الذي يواجههم يكمن في تحقيق التوازن بين حق الجمهور في المعرفة وواجبهم القانوني والأخلاقي في احترام الحياة الخاصة.

جدلية الحرية والعقوبة

في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يحد القانون من حرية التصوير بشكل مفرط؟ أم أن هذه القيود ضرورية لحماية الخصوصية والنظام العام؟ يبدو أن الإجابة ليست بالأبيض أو الأسود، بل تكمن في منطقة رمادية تتطلب حكمة كبيرة في الممارسة والتطبيق.

دعوة إلى التوازن

المشهد القانوني المرتبط بالتصوير في المغرب يحتاج إلى مراجعة مستمرة، تأخذ بعين الاعتبار التحولات السريعة في المجتمع والتكنولوجيا. يجب أن تُصاغ القوانين بما يضمن حماية الحقوق الفردية دون كبح الحريات العامة، خاصة في ظل عالم رقمي لا يعرف حدودًا.

الخاتمة

التصوير، في جوهره، أداة إبداعية وجسر تواصل عالمي، لكنه سلاح ذو حدين. التحدي الأكبر هو كيفية ممارسته بحرية دون المساس بالحقوق أو تجاوز الحدود. بين حرية الإبداع وحدود القانون، يبقى التوازن هو كلمة السر.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة