ادريس طيطي
تعاني مدينة القنيطرة من ظاهرة عمرانية مقلقة تتجلى في البنايات المهجورة أو غير المكتملة، سواء تلك التابعة للقطاع العام أو المشاريع الخاصة التي لم يكتمل إنجازها. هذه الظاهرة لا تؤثر فقط على جمالية المدينة، بل تخلق أيضاً بيئة خصبة لانتشار الجريمة، وتُحوّل بعض الأحياء إلى أماكن غير آمنة تهدد سلامة المواطنين. فرغم الطفرة العمرانية التي شهدتها القنيطرة في العقود الأخيرة، لا تزال بعض المشاريع متوقفة لسنوات دون تدخل حقيقي لإيجاد حلول تعيد استغلالها بما يخدم المجتمع.
على مستوى المؤسسات العمومية، نجد عدداً من البنايات الحكومية التي تم الشروع في إنشائها لكنها لم تُستكمل لظروف غامضة، أو تلك التي تم إخلاؤها بعد نقل إداراتها إلى مقرات أخرى، دون استغلالها بشكل يعود بالنفع على الساكنة. من بين هذه الأمثلة البارزة، مبنى ثقافي مهجور بشارع محمد الخامس، ظل على حاله لسنوات طويلة دون أن يتم استكماله، رغم موقعه الاستراتيجي في قلب المدينة. كيف يُعقل أن تظل بناية بهذا الحجم، كانت مخصصة لخدمة الثقافة والفن، عرضة للإهمال والتهميش في واحدة من أهم شوارع القنيطرة؟
والمشكلة لا تقتصر على هذا المبنى فقط، فهناك أيضاً العديد من المؤسسات التعليمية التي لم تعد تُستغل، مثل مؤسسة الشهداء البيروني، التي تحولت إلى بناية مهجورة بعد توقف الدراسة بها. كان من الممكن إعادة تأهيل هذه المدارس وتحويلها إلى مراكز شبابية أو فضاءات اجتماعية، عوض أن تُترك مهجورة، فتتحول إلى ملاذ للممارسات غير القانونية أو أماكن غير آمنة للسكان.
أما القطاع الخاص، فهو الآخر مساهم في هذه الفوضى العمرانية. العديد من المشاريع السكنية والتجارية تتوقف أشغالها في منتصف الطريق، إما بسبب مشاكل مالية، أو بسبب تعقيدات إدارية، مما يجعلها تبقى على حالها لسنوات، فتُشوه المنظر العام وتُعطي انطباعاً سلبياً عن المدينة. هذا الوضع يزداد سوءاً حين تكون هذه المشاريع في مواقع استراتيجية، حيث تترك المباني غير المكتملة واجهات المدينة في حالة يرثى لها، مما ينعكس سلباً على الاستثمار والسياحة.
إن استمرار هذا الوضع دون حلول جذرية يُثير الكثير من التساؤلات حول دور الجهات المسؤولة في مراقبة ومتابعة هذه المشاريع. من غير المنطقي أن تبقى هذه البنايات على هذا الحال لسنوات طويلة دون أي تدخل واضح لإعادة استغلالها أو فرض غرامات على الجهات المتسببة في توقفها. الدولة مطالبة بوضع قوانين أكثر صرامة تُلزم المقاولات العقارية بإتمام مشاريعها في الآجال المحددة، مع فرض عقوبات على التأخير غير المبرر. كما يجب أن يتم اعتماد مخطط واضح لإعادة تأهيل المباني الحكومية غير المستغلة وتحويلها إلى مرافق تخدم الساكنة، سواء كمراكز شبابية، أو فضاءات اجتماعية، أو حتى كمشاريع استثمارية بشراكة مع القطاع الخاص أو جمعيات المجتمع المدني.
إن ترك البنايات المهجورة على حالها لسنوات طويلة ليس مجرد مشكلة جمالية، بل هو مؤشر على سوء التخطيط وغياب الرؤية الاستراتيجية في تدبير المجال العمراني. لا يمكن لمدينة بحجم القنيطرة، التي تطمح إلى أن تكون قطباً حضرياً متطوراً، أن تستمر في تحمل هذا العبء العمراني الذي يُشوه صورتها ويهدد أمن سكانها. الحلول ممكنة، لكنها تحتاج إلى إرادة حقيقية وقرارات جريئة تضع حداً لهذا النزيف العمراني الذي طال أمده.