بقلم المستشار الدكتور/ حسن بن ثابت
تمثل البطالة أحد أخطر التحديات التي تواجه الدول المعاصرة، ليس فقط لكونها أزمة اقتصادية، ولكن لأنها تهدد بشكل مباشر استقرار المجتمعات وأمنها القومي. فكلما تفاقمت معدلات البطالة، زادت معها معدلات الجريمة، وانتشرت الأفكار المتطرفة، وازداد السخط الاجتماعي، ما يجعلها أشبه بقنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، مسببة أزمات سياسية وأمنية يصعب احتواؤها.
البطالة.. من أزمة اقتصادية إلى تهديد أمني
في العديد من الدول، يؤدي ارتفاع معدلات البطالة إلى تنامي الشعور بالإقصاء والتهميش، لا سيما بين فئة الشباب، الذين يُعتبرون عصب المجتمع وأمله في المستقبل. وعندما يفقد الشباب الأمل في الحصول على عمل يضمن لهم حياة كريمة، يصبحون أكثر عرضة للانزلاق نحو الجريمة المنظمة أو الانضمام إلى الجماعات المتطرفة التي تستغل معاناتهم لتجنيدهم في صفوفها. وقد أظهرت دراسات أمنية عديدة أن هناك علاقة طردية بين البطالة وارتفاع معدلات الجريمة والتطرف.
ليس ذلك فحسب، بل تؤدي البطالة أيضًا إلى اضطرابات سياسية، إذ تصبح الحكومات في مواجهة مباشرة مع شعوبها التي تطالب بتحسين الأوضاع الاقتصادية. وقد شهد التاريخ الحديث أمثلة عديدة لدول انهارت أنظمتها السياسية بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية وتنامي مشاعر الغضب الشعبي الناتجة عن البطالة والفقر.
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للبطالة
تخلق البطالة حالة من الركود الاقتصادي، حيث يقلّ الطلب على السلع والخدمات، ما يؤدي إلى تراجع الإنتاج وزيادة الأعباء المالية على الدولة نتيجة ارتفاع معدلات الإنفاق الاجتماعي لمساعدة العاطلين عن العمل. كما أن فقدان الأفراد لمصادر دخلهم يساهم في انتشار المشكلات الاجتماعية، مثل التفكك الأسري، وارتفاع معدلات الطلاق، وزيادة نسب الانحراف السلوكي، وهي عوامل تؤثر بشكل مباشر على استقرار المجتمع.
أما على المستوى الاقتصادي، فإن الدول التي تعاني من نسب بطالة مرتفعة تصبح أكثر عرضة للتبعية الاقتصادية والاقتراض الخارجي، مما يضعف سيادتها الاقتصادية ويجعلها عرضة للضغوط السياسية من الجهات المقرضة.
الخطوات المطلوبة لمواجهة البطالة
إن مواجهة البطالة تتطلب استراتيجيات شاملة وطويلة المدى، تقوم على عدة محاور رئيسية، من بينها:
1. تحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية من خلال تقديم تسهيلات ضريبية وإدارية تساهم في خلق فرص عمل جديدة.
2. تعزيز المشروعات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي في العديد من الدول المتقدمة.
3. إصلاح النظام التعليمي بحيث يتماشى مع احتياجات سوق العمل، من خلال التركيز على التعليم التقني والمهني بجانب التعليم الأكاديمي.
4. تطوير سياسات التأهيل والتدريب لضمان امتلاك القوى العاملة المهارات اللازمة للمنافسة في السوق.
5. تشجيع ريادة الأعمال والابتكار عبر تقديم الدعم اللازم للشباب لإنشاء مشروعاتهم الخاصة، ما يساهم في خلق فرص عمل جديدة.
إن معالجة البطالة ليست مجرد قضية اقتصادية، بل هي مسؤولية وطنية تتطلب تعاونًا وثيقًا بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني. فالبطالة، إن تُركت دون حلول جذرية، قد تتحول إلى أزمة أمنية تهدد استقرار الدول ومصير الأجيال القادمة. ومن هنا، فإن أي استراتيجية تنموية حقيقية يجب أن تضع مكافحة البطالة على رأس أولوياتها، باعتبارها الضامن الأساسي لتحقيق الأمن القومي والاستقرار الاجتماعي.