ماذا فعلنا لنُحاصر بهذا السيل من التفاهة؟

ادارة النشر25 سبتمبر 2025آخر تحديث :
ماذا فعلنا لنُحاصر بهذا السيل من التفاهة؟

إدريس طيطي

أفتح هاتفي فلا أبحث عن شيء، ومع ذلك تنهال عليّ مقاطع وبرامج لم أخترها. كأن المنصات تفرض علينا محتوى رخيصاً يتسلل إلى يومياتنا بلا إذن ولا اعتبار، حتى صارت أسماؤهم تطاردنا: الفقيه المثير للجدل، مولينيكس، الياس المالكي، وغيرهم كثير. كل يوم وجه جديد، كل ساعة جدل فارغ، وكأننا بلا حول ولا قوة أمام سيل من السقوط.

فها هو “الفقيه” يطلّ علينا في بث مباشر يقدّمه كـ”برنامج للتزويج”، بحجة مساعدة الشباب على الزواج، لكنه سرعان ما ينقلب إلى مشادات وكلام ساقط فاجر مع من يصعدون معه، بل وحتى مع قاصرات أحياناً، في مشهد صادم يُسوَّق وكأنه نشاط عادي.

ولا يتوقف الأمر عنده، فهناك “مولينيكس” بخطابه المليء بالكلام الساقط ، يجمع حوله من يشبهونه في بث مباشر لا يقدم سوى السفاهة، ومع ذلك يحصد آلاف المشاهدات وكأنه يملك علماً أو حكمة تنفع الناس. ناهيك عن “الياس المالكي” وغيره من الأسماء التي لا تقدم سوى السخرية من كل شيء، ثم تتحول فجأة إلى “ترند” يملأ الشاشات ويقتحم الحسابات.

ثم نصل إلى نموذج آخر أكثر استفزازا بعض الناس الذين حولوا قضية “طلاق بنت نَجاة اعتابو ” إلى موضوع يومي يتناوله الجميع، بالكتابة أو التعليق أو حتى بالتحليل، وكأنها قضية رأي عام. مع أن الأمر في الأصل شأن خاص، عائلي بحت، لا يفيدنا كجمهور أن نعرف إن كانت قد طلقت أو لم تطلق، أو إن كان زوجها تزوج بأخرى أم لا. ما الذي سنجنيه من تفاصيل حياتها؟ ولماذا نتغذى صباح مساء على أخبار لا تخصنا ولا تزيد وعينا شيئاً؟

أما بعض الأزواج، فقد وجدوا بدورهم طريقا سهلا إلى الشهرة: عرض حياتهم الخاصة بكل تفاصيلها أمام الجمهور. مشادات فاضحة، تصرفات مستفزة، خلافات وغيرة تتحول إلى مشاهد فرجوية، وكأنها شأن عام لا قضية أسرية تخصهم وحدهم. والنتيجة أن حياتهم الشخصية تُستهلك كسلعة، بينما الناس يتابعون بدافع الفضول أو التسلية، دون أن يدركوا أنهم يغذون هذا المسار.

السؤال الجوهري هنا: لماذا تتصدر هذه النماذج المشهد الرقمي؟ هل الأمر صدفة؟ أم أن خوارزميات المنصات تدفع بها لأنها تجلب نسب مشاهدة عالية، بصرف النظر عن القيمة؟ أم أن هناك من يمول ويروّج لهذا النوع من المحتوى ليغطي على ما هو أهم في حياتنا؟ في كل الأحوال، النتيجة واحدة: فضاءات التواصل الاجتماعي تتحول يوماً بعد يوم إلى مستنقع، يغرقنا في التفاهة ويشغلنا عن القضايا الحقيقية.

وفي الوقت الذي نملك فيه قضايا اجتماعية واقتصادية وتربوية تحتاج إلى نقاش مسؤول وإلى وعي جماعي، تضيع أصوات العقل وسط ضجيج السقوط. والحل ليس في التباكي، بل في الوعي والاختيار: أن نمنح اهتمامنا لمن يستحق، وأن نقاطع بوعي من لا يقدم سوى الضجيج. وحده هذا الوعي يمكن أن يحجب الضوء عن التافهين، ويفتح المجال لما ينفع الناس ويمكث في الأرض.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة