القنيطرة بين ولايتين.. مجلس منقسم، وصراعات أضاعت التنمية

ادارة النشر12 يوليو 2025آخر تحديث :
القنيطرة بين ولايتين.. مجلس منقسم، وصراعات أضاعت التنمية

إدريس طيطي /الحصاد24

لا أحد ينكر أن مدينة القنيطرة عاشت واحدة من أصعب مراحلها الجماعية خلال الولاية الحالية، مرحلة وُصفت بالمرّة بكل المقاييس. فبعد أن استبشر القنيطريون خيرًا بمجلس جديد حمل في بداياته شعارات التغيير والإصلاح، انقلبت الآمال إلى خيبات متلاحقة، وانكشف الوجه الحقيقي لصراعات سياسية أضاعت على المدينة سنوات أخرى من التراجع.

منذ اللحظة الأولى، راهن الكثيرون على المجلس المنتخب برئاسة أنس البوعناني، وعلّقوا على التجربة آمالًا كبيرة، خاصة وأن القنيطرة كانت قد بدأت تستفيق من سنوات من الركود، وأرادت أن تستعيد مكانتها كمدينة كبرى تتوسط المغرب وتملك مؤهلات اقتصادية وبشرية مهمة. لكن سرعان ما دخلت المدينة في دوامة من المشاكل، بعد أن تفجّرت خلافات داخلية، وبدأت ملفات التسيير تثير الشكوك، وانتهى الأمر بعزل الرئيس وعدد من نوابه، بل وُجد من بينهم من أصبح خلف القضبان، في سابقة هزّت الرأي العام المحلي.

ما وقع بعد ذلك لم يكن أقل إرباكًا، فقد أُعيد انتخاب رئيسة جديدة أمينة حروزى من داخل نفس المجلس، في نفس الولاية، دون أن تُطوى صفحة الصراعات. فبدل أن ينكبّ الجميع على الملفات الحارقة للمدينة، دخلت الأغلبية والمعارضة في متاهات شدّ الحبل، وتبادل الاتهامات، وتسجيل النقاط السياسية، حتى تحوّل مجلس الجماعة إلى فضاء للخصومات، لا فضاءً لحل مشاكل السكان.

لقد كشفت هذه المرحلة المأزومة عن أعطاب بنيوية لا يمكن إغفالها، وأهمها غياب الكفاءة في التسيير. فكم من منتخب وجد نفسه يشرف على قطاع لا علاقة له بتكوينه أو خبرته أو معرفته؟ كم من نائب تسلم مسؤولية ملفات حساسة لا يملك عنها أدنى دراية، فقط لأن منطق “ليّ الأذرع” و”السنطيحة” هو ما حسم الأمر، وليس معيار الكفاءة ولا الاختصاص؟ فكيف يُعقل أن يتقلد شخص لا علاقة له بالثقافة تسيير شؤونها؟ أو أن يشرف آخر على قطاع الأملاك أو غيرها من القطاعات الحيوية وهو لا يميز بين مقتضى قانوني وآخر؟ ثم نُفاجأ بحزب لا يملك سوى مقعدين داخل المجلس، يُمنح نيابتين في قطاعين حيويين، في عبث صريح بمفهوم المسؤولية والتمثيلية.

لقد سبق لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، أن نَبَّه في أكثر من خطاب سامٍ إلى ضرورة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، مؤكدًا على دور الكفاءات الوطنية في التدبير الجيد والحكامة الرشيدة، ومحذرًا من تحويل المؤسسات المنتخبة إلى فضاءات لتصفية الحسابات أو قضاء المصالح الشخصية.

لكن ما رأيناه في القنيطرة، مع الأسف، لا علاقة له بالكفاءة، ولا بالتدبير، بل هو مهزلة حقيقية في توزيع المهام، وخرق فاضح لمنطق التخصص، وضرب لمصالح الساكنة عرض الحائط.

في ظل هذا العبث، اضطر عامل إقليم القنيطرة للتدخل في أكثر من مناسبة، سعيًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعدما لاحظ حجم التراكمات في ملفات الإنارة والبنية التحتية والمرافق العمومية المعطّلة. تحرّك العامل، نعم، وأعاد تحريك بعض المشاريع، لكن الجماعة ظلت تعيش على وقع نفس الأعطاب، والمدينة بقيت تنتظر من يخرجها من هذا المستنقع السياسي.

لقد ضاعت سنوات من عمر القنيطرة في زمن كان من المفروض أن يكون مرحلة نهوض وانبعاث، لكن الذي حصل هو العكس: مشاريع توقفت، ومبادرات وئدت في مهدها، ومجالس تفرّغت للصراع على الكراسي والمناصب بدل الانكباب على هموم المواطنين.

اليوم، لا مناص من وقفة صريحة، من تقييم شجاع لهذه المرحلة، ومن استخلاص العبر. على القنيطريين أن يدركوا أن أصواتهم ليست أرقاما تُمنح لمن لا يستحق، بل أمانة يجب أن تُمنح لمن يملك الغيرة والكفاءة والقدرة على التسيير. ما وقع يجب أن لا يتكرّر، والمرحلة المقبلة لا تحتمل مجاملات، بل تتطلب وجوهًا جديدة تؤمن بالعمل لا بالشعارات..

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة