محمد زيات/القنيطرة
بمناسبة تنظيم المهرجان الوطني للمسرح الهواة، لنتحدث عن إحدى القضايا المحورية في المشهد المسرحي، قضية طالما أثارت نقاشًا وجدلاً بين الفنانين، المؤسسات، والجمهور: الممارسة المسرحية بين الهواية والاحتراف.
المسرح، كما نعلم جميعًا، وُلد من الروح الجماعية، من الحاجة إلى التعبير والتشارك، فكان فضاءً مفتوحًا للهواة والمحترفين على السواء. لكن، مع تطور الزمن، وتغير الشروط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، برزت الحاجة إلى التمييز بين الهواية والاحتراف، لا من باب التقسيم أو الإقصاء، بل من باب التنظيم والتأهيل.
أولًا: ماذا نعني بالهواية؟ وماذا نعني بالاحتراف؟
الهواية، أيها الحضور الكريم، هي ممارسة تنبع من حب صادق للفن، دون شرط مادي، ودون التزامات مهنية. الهاوي يمارس المسرح لأنه يعشقه، لأنه يجد فيه متنفسًا وتعبيرًا عن الذات.
أما الاحتراف، فهو التزام واضح، ينطلق من تكوين أكاديمي أو تجربة مهنية، ويُمارَس وفق شروط واضحة: عقود، أجور، عروض منتظمة، وارتباط بمؤسسات أو دعم رسمي.
ثانيًا: مميزات الممارسة المسرحية الهاوية
رغم بساطتها، فإن للهواية دورًا كبيرًا في الحياة الثقافية:
توفر فضاءً لتجريب الأفكار.
تُنتج طاقات جديدة ومواهب شابة.
تساهم في نشر الثقافة المسرحية في المناطق المهمشة.
لكنها تعاني أيضًا من:
قلة التأطير والتكوين.
ضعف الإمكانيات.
غياب الرؤية الطويلة الأمد.
ثالثًا: مميزات الممارسة الاحترافية
الاحتراف يضفي على الفعل المسرحي:
جودة في العروض.
انتظام في الإنتاج.
حقوق مضمونة للفنان.
إلا أنه، في بعض الحالات، يقع في:
التبعية للدعم المؤسساتي.
فقدان الروح الإبداعية لصالح الربح.
انغلاق بعض الفرق على نفسها.
رابعًا: هل هناك حدود واضحة بين الهواية والاحتراف؟
هنا يكمن الإشكال. ففي ظل غياب قانون منظم للفنون، نجد أن:
بعض الهواة يقدمون أعمالًا بمستوى احترافي.
بعض المحترفين يفتقدون للرؤية أو الالتزام.
التداخل حاصل، وأحيانًا غير عادل.
فهل نُقصي الهواة من الفضاءات الرسمية؟
أم نُخضع الجميع لمعايير موحدة؟
أم نفتح بابًا ثالثًا يؤطر هذا التداخل؟
خامسًا: مقترحات من أجل مستقبل متوازن
1. إقرار قانون المهن الفنية، يحدد بوضوح معايير الاحتراف ومسارات التحول إليه.
2. الاهتمام بالهواة، وتوفير فضاءات تكوين لهم.
3. تشجيع الانتقال من الهواية إلى الاحتراف عبر آليات التقييم والدعم المرحلي.
4. خلق منصات مختلطة تجمع الهواة والمحترفين في مشاريع فنية وتكوينية.
خاتمة:
الهواية ليست نقيضًا للاحتراف، بل هي جذره الأول، وبذرته الأصيلة. والمسرح لا يمكن أن يتطور إلا إذا احترمنا كل من يحب هذا الفن، سواء مارسه من قلبه، أو امتهنه كمهنة.
فلنشتغل جميعًا من أجل مسرح يعيش فيه الهاوي بإبداعه، والمحترف بجديته، ويسمو فيه الفن فوق كل التصنيفات.