إدريس طيطي
في تصريح جديد، عاد وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف للحديث عن ما أسماه بـ”القضية الصحراوية”، متحدثا عن “الشرعية الدولية” و”العقيدة الأممية في تصفية الاستعمار”، ومنددا بسياسة “فرض الأمر الواقع”. لكن المتتبع المتبصر لا يحتاج إلى كثير من الجهد ليكتشف حجم التناقض والانفصام في خطاب النظام الجزائري، الذي يتحدث باسم “الشعب الصحراوي” ويدّعي في الوقت ذاته أنه ليس طرفا في النزاع.
كيف يمكن لدولة تزعم “الحياد” أن تتحدث بكل هذه الحماسة والتفصيل عن “حق تقرير المصير” و”العقيدة الأممية”، وكأنها الوصي الشرعي على مصير منطقة لا تمت إليها بصلة؟ إن هذا الخطاب لا يصدر عن مراقب محايد، بل عن طرف رئيسي غارق في مشروع عدائي ممنهج ضد المغرب، يسعى منذ عقود إلى إضعافه وتشتيت جهوده التنموية والسيادية.
بدل الاستناد إلى قرارات مجلس الأمن الواضحة، التي تصف الجزائر كطرف معني بالنزاع وتدعوها إلى تحمل مسؤوليتها، لجأ عطاف إلى مصطلحات فضفاضة من قاموس الحرب الباردة، كـ”العقيدة الأممية” و”تصفية الاستعمار”، وكأننا ما زلنا في خمسينيات القرن الماضي. لكن الواقع أن مجلس الأمن نفسه هو من حدد الإطار الأممي للقضية، وقراراته الأخيرة أكدت تفوق المبادرة المغربية للحكم الذاتي كحلّ وحيد جدي وذي مصداقية.
حديث عطاف عن “فرض الأمر الواقع” يعكس خوف النظام الجزائري من القرارات القادمة لمجلس الأمن، والتي من المتوقع أن تحمل تطورات لا تخدم أجندة المرادية. حين يعجز النظام عن التأثير في مسار الملف، يلجأ إلى رفع الشعارات الإيديولوجية القديمة.
لو انشغل عطاف بما يهم الشعب الجزائري لما وجد وقتا للحديث عن المغرب. بلاده اليوم تعاني من نقص في المواد الأساسية، هشاشة في البنيات التحتية، وفسادٍ ينهش مؤسسات الدولة. عمارات استعمارية تقاوم الزمن، وطوابير طويلة أمام محطات الوقود والأسواق، بينما تنفق المليارات على جماعة انفصالية تتخذ من تندوف قاعدة لابتزاز دول الجوار.
أي “شرعية دولية” هذه التي تبرر احتجاز آلاف الأشخاص فوق أراض جزائرية وتجريدهم من حقوقهم الإنسانية الأساسية؟ وأي “عقيدة أممية” تبرر تجنيد الأطفال وتسليح المرتزقة وخلق كيان وهمي فوق تراب ليس للجزائر فيه أي سيادة؟
القضية المسماة “الصحراوية” ليست سوى صناعة جزائرية خالصة. الانفصاليون الذين يُقدمون للعالم كـ”ممثلين للشعب الصحراوي” هم في حقيقتهم مزيج من مرتزقة من الصومال والنيجر ومالي واليمن ودول الساحل، بينما يشكل الصحراويون المغاربة الحقيقيون نسبة ضئيلة منهم. خمسة وتسعون في المائة من أبناء الصحراء يعيشون في وطنهم الأم المغرب، متمتعين بحقوقهم، مندمجين في تنمية وطنية شاملة، فيما يعيش الباقون في مخيمات البؤس بتندوف تحت رحمة المخابرات الجزائرية.
النظام الجزائري يعيش هاجسا تاريخيا اتجاه المغرب، يخاف من مكانته الجغرافية والتاريخية والروحية، ومن امتداد حضارته الذي وصل قديما إلى نهر السنغال. ولذلك سعت الجزائر، منذ استقلالها سنة 1962، إلى خلق بؤر توتر مصطنعة لإضعاف المغرب وإشغاله عن مسيرته التنموية. لكن الحقائق لا تلغى بالصراخ، والتاريخ لا يحرف بالبيانات.
من يتحدث عن “العقيدة الأممية” عليه أن يتذكر أن هذه العقيدة نفسها ترفض الاقتطاع الاستعماري لأراضي الغير، وهو ما يعني أن على الجزائر أن تراجع خريطتها قبل أن تعطي الدروس. فأراضي تندوف وبشار وتلمسان مغربية الأصل، اقتطعتها فرنسا سنة 1830 وألحقتها بالجزائر عند انسحابها سنة 1962. أما المغرب، فماضٍ في صحرائه بثقة وشرعية وتاريخ، في حين سيبقى النظام الجزائري أسير عقدة الجار الأقوى، مهما غلف خطابه بشعارات “الشرعية الدولية”.