إدريس طيطي
بطبيعة الحال ومن خلال المستجدات الأخيرة التي يعرفها ملف الصحراء المغربية وما يرافقه من تحركات دولية متسارعة، وجدت نفسي أتأمل من جديد هذا الملف الذي طالما حشرت الجزائر أنفها فيه بلا مبرر ولا شرعية.
قلت في نفسي: لما لا أتابع إعلامهم لأرى ماذا يقولون؟ وما إن بدأت أتنقل بين قنواتهم ومواقعهم حتى صادفني خبر يتكرر على أكثر من منبر يقول إن جبهة البوليساريو ترفض مشروع القرار الأمريكي بشأن الصحراء الغربية.
يتحدثون عنه وكأننا أمام دولة قائمة بذاتها، لها شرعية ومؤسسات وسيادة، فأي شرعية هذه وأي كيان هذا الذي يراد فرضه على الواقع بالقوة والادعاء؟
حين تتأمل طريقة الترويج لهذا الخبر تدرك حجم التضليل الذي يمارسه الإعلام الجزائري وكأنه يعيش خارج الزمن.
يحاول إقناع المتلقي بأن البوليساريو تمثل شعبا له حق تقرير المصير، في وقت صار فيه العالم كله تقريبا مقتنعا بأن هذا الكيان لا وجود له إلا في خيال النظام الجزائري.
العالم اليوم لا يعرف للبوليساريو تصنيفا واضحا، أهي حركة لاجئين أم منظمة مسلحة أم مجرد أداة سياسية بيد النظام الجزائري؟
ثم هل رأينا في التاريخ لاجئين يحملون السلاح؟ إن من يحمل السلاح خارج إطار شرعية الدولة لا يُسمى مناضلا بل إرهابيا، ومن يمارسه لا يدافع عن قضية بل يعتدي على الشرعية نفسها.
المغاربة يعيشون في صحرائهم فوق أرضهم وتحت رايتهم، بينما هذه الشرذمة التي يراد تقديمها للعالم ككيان شرعي ليست سوى بقايا مشروع فاشل فقد كل مقومات الحياة السياسية.
وها هي الجزائر، الراعي الرسمي لهذا الكيان الوهمي، تجد نفسها مرة أخرى في عزلة دبلوماسية خانقة، تحاول عبر مجلس الأمن أن تلوح بعدم التصويت على مشروع القرار الأمريكي وكأن صوتها سيغير شيئا في ميزان القوى.
لكن من سينظر إلى هذا الصوت أصلا؟
فالعالم كله تقريبا، من الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وفرنسا وبلجيكا وإسبانيا ودول التعاون الخليجي، وغيرها من الدول الافريقية وأمريكا اللاتينية اعترف بمغربية الصحراء.
رجع الحق إلى أصله، وزهق الباطل.
أما الجزائر، فلا تجد من يؤيدها إلا دولا هامشية لا وزن لها في القرار الدولي، دولا تذكر فقط حين تستدعى للسخرية من مواقفها.
وما يروجه الإعلام الجزائري اليوم حول ما يسمى بشرعية البوليساريو ما هو إلا محاولة يائسة لإنقاذ ماء الوجه، بعد أن انهارت كل الأوراق التي كان النظام يراهن عليها لعقود.
والأدهى من ذلك أن الشعب الجزائري نفسه بدأ يضيق ذرعا بهذه اللعبة، فخرج في مظاهرات يطالب بطرد البوليساريو ووقف دعمها، بعدما أدرك أن هذه العصابة استنزفت ثروات بلاده، وحرمت المواطن من أبسط ضروريات العيش الكريم.
بلد يعيش أبناؤه في ضنك، يبحثون عن الحليب والماء والغذاء، بينما تصرف الملايير على عصابة تتقاضى أجورها في الخارج باسم القضية.
لقد بات واضحا أن النظام الجزائري لا يدعم سوى كل ما هو انفصالي، فقد رأينا بصماته في سوريا واليمن وغيرها، حيث كان دائما حليفا للفوضى ومعاديا للشرعية. واليوم يكرر التجربة نفسها في الصحراء المغربية بدعم كيان بلا أرض ولا شرعية ولا مستقبل.
إنها في النهاية معركة الوهم ضد الحقيقة، وصوت الحق فيها واضح: الصحراء مغربية، وستظل كذلك، مهما علا ضجيج الإعلام المأجور، ومهما حاولت الجزائر أن تنعش كيانها الميت الذي لا وجود له إلا في نشراتها الإخبارية











