بمجرد ما أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) عن إقامة كأس العالم 2030 في المغرب وإسبانيا والبرتغال طالبت أحزاب اليمين وعلى رأسها حزب “فوكس VOX” الحكومة الإسبانية التفكير والاستعداد لتنظيم إحدى المباريات في “سبتة” أو “مليلية” لتكريس واقع (السيادة)الاحتلال عليهما، ليؤكد رئيس الوزراء الإسباني “بيدرو سانشيز” بعد ذلك وخلال مشاركته في اجتماع بين مسؤولي البلدين بالعاصمة المغربية الرباط : (التزامًا بالاحترام المتبادل، سنتجنب كل ما من شأنه أن يسيء إلى الطرف الآخر خاصة ما يتعلق بمجالات سيادتنا).
لقد عملت “إسبانيا” على تكريس الوضع القائم على إثر منح مدينتي “سبتة” و “مليلية” حكما ذاتيا بموجب قرار البرلمان الإسباني الصادر في عام 1995 وإلى جانب المدينتين تفرض “إسبانيا” نفوذها على 21 جزيرة مغربية وذلك منذ استقلال شمال المغرب عن الإستعمار الإسباني عام 1956، ويعتمد إقتصاد المدينتين خاصة على استفادتهما من فضاء للتجارة الحرة الأمر الذي أسهم في جعلهما قاعدة لتهريب السلع نحو المغرب لسنوات، وتشهد المدن المغربية خاصة المجاورة للمدينتين وتلك الخاضعة للسيادة الإسبانية فارقاً كبيرا من حيث التنمية والقدرة الشرائية ويعزو ذلك الفارق أن أهدافا سياسية تقف وراء اهتمام السلطات الإسبانية على إيلاء أهمية للمدينتين بخصوص البنية التحتية ومستوى المعيشة لدى السكان إضافة إلى مجالات الصحة والتعليم حيث يستفيد سكان المدينتين وبالخصوص الإسبان من امتيازات لتشجيعهم على الاستيطان بالمدينتين حتى لا يكون للسكان المغاربة سبق على المستوى الديموغرافي وكذا منع قيام أي نزعة مغربية نحو استقلال السكان الأصليين.
لقد تصرفت الدولة المغربية بحسن نية بعد الإستقلال عن “إسبانيا” و “فرنسا” وتصورت أن الأمر يمكن حله بتحضر في المستقبل وأن محاولتها باسترجاع “سبتة” و “مليلية” كانت شديدة البطء في مقابل ذلك كان رد الفعل الإسباني غير مماثلا بحيث رفضت إسبانيا كليا أي حديث عن مفاوضات بشأن المدينتين وأصرت على أنهما إسبانيتان منذ أكثر من خمسة قرون وأنهما جزء أساسي من الدولة الإسبانية كما أنه ووفقا للقانون الدولي فأدلة الدولة المغربية ضعيفة وهناك عوائق سياسية وقانونية كبرى أمام أي تغيير في حالة هذه الأراضي لصالح المغرب والعائق الأكبر هو رغبة سكان المدينتين في بقائهما إسبانيتين وفكرة استرجاعهما ضد رغبة السكان مستبعدة تماما كما تبذل “مدريد” الأموال لشراء ولاء الجمعيات والمنظمات المغربية بالمدينتين، وفي آخر فصول التجاذبات بين المغرب وإسبانيا تتجه مدريد إلى فرض التأشيرة على سكان المدن المجاورة للمدينتين بعد ما كانوا معفيين منها عقوداً.
لقد وقعت الحكومات المغربية المتوالية عن قصد أو غير قصد في أخطاء كرست وضعية إحتلال مدينتي “سبتة” و “مليلية” أولها متعلق بالفترة التي كانت “إسبانيا” منكبة على وضع دستورها الجديد بعد سقوط نظام “فرانكو ” ذلك انه لما وصل لأصحاب القرار بالمغرب آنذاك عزم اللجنة المكلفة بوضع الدستور الإسباني التنصيص على أن المدينتين إسبانيتين باعتبارهما جزءاً من التراب الإسباني فالحكومة المغربية لم تحرك ساكناً حينها ومرت القضية كما أراد الإسبان ومن دون أن يتوقعوا ذلك، وتوالت الأخطاء ففي 2015 اعتبر رئيس الحكومة المغربية “عبد الإله بنكيران” أن الوقت لم يحن بعد للمطالبة بالمدينتين وها هي حكومة “أخنوش” تكرس للشراكة الإستراتيجية والدينامية التي انخرط فيها البلدين بحيث أبرمت الرباط اتفاقا مع مدريد توافق بموجبه على تحويل المدينتين إلى نقاط للمبادلات التجارية بين البلدين تحت إشراف الجمارك الإسبانية دون الإشارة ولو من بعيد لوضعية المدينتين وباقي الثغور المحتلين وعلى الرغم من أن هناك قضية تصفية استعمار لا تزال عالقة بينهما.
لقد أثبت تكريس احتلال “سبتة” و “مليلية” وأخواتهما إهانة للوحدة الترابية للمغرب وإحتلالها يتعارض مع إستقلاله الإقتصادي والسياسي والثقافي والرياضي … والعلاقات الطيبة بين البلدين والمطالبة الشعبية بالحقوق السيادية على المدينتين ما يبررها لأنها جزء من أيديولوجيته الوطنية وليس في وسعه التخلي عنها، كما أن المواقف الإسبانية انتهازية و ازدواجية المعايير اتجاه المغرب آخرها حين أعلنت “مدريد” عن دعمها لسيادة المغرب على الصحراء المغربية وهو تغيير مفاجئ في موقف إسبانيا بعد أن أضحى الملف أكثر ارتهانا للتحولات الجيوسياسية في جنوب المتوسط بحجة أن الحديث عن مغربية المدينتين وغيرها من الثغور المحتلة يجب أن يغيب لبعض الوقت عن المشهد في ظل المقايضة السياسية التي تشهدها المنطقة، هكذا وعلى هذا الأساس ستسقط “سبتة” و”مليلية” المدينتين المغربيتين المحتلتين وما جاورهما من خريطة المغرب وستذهب السيادة الوطنية مهب الريح والدولة المغربية تفتخر وتتغنى بتقديم ملف مشترك لتنظيم كأس العالم 2030 مع دولة الإحتلال “إسبانيا”.
عبد الإله شفيشو / فاس